خلف الدكتور عبدالرزاق مقري، الشيخ أبو جرة سلطاني على رأس حركة مجتمع السلم (حمس)، أهم وأكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر المحسوبة على التيار ألإخواني ومنذ انتخابه رئيسا للحركة خلال المؤتمر الخامس المنعقد في 2 مايو الجاري، لم تتوقف وسائل الإعلام المحلية عن وصف عبد الرزاق مقري، مهندس فك الارتباط مع الائتلاف الحكومي العام 2012 وممثل جناح الممانعة داخل الحركة، ب "الراديكالي" بل وتشكك في نوايا الرجل الانتقال بالحركة من المولاة إلى المعارضة. "الرياض" التقت عبدالرزاق مقري، بمكتبه بمقر الحركة أعالي العاصمة الجزائر.. ومعه كان هذا الحوار: - منذ انتخابكم على رأس حركة مجتمع السلم (حمس)، صار الإعلام المحلي يصفكم ب "الراديكالي".. هل يناسبكم هذا الوصف؟ * الوصف لايروقني بالطبع، لكن هناك في الجزائر دوائر، للأسف الشديد، تتحكم في الإعلام، وعندما يعارض شخص ما نظام الحكم، يصبح الأخير في نظر هؤلاء راديكاليا. أنا لم أكن راديكاليا في يوم من الأيام. أنا معتدل سمح، ونحن ننتمي لمدرسة الوطنية والاعتدال. - ألا تعتقدون أن وصفكم بالراديكالي هو فقط لتخويف الشارع الجزائري من الحركة في ظل قيادتكم. وأن الأمر له علاقة بحسابات سياسية تتصل باستحقاق الرئاسة 2014؟ * قصة التخويف من الإسلاميين قصة قديمة ومعروفة، وهي لم تنجح في الوطن العربي في آخر المطاف، ولن تنجح كذلك في الجزائر. الشعب الجزائري يعرفنا ومتعاطف معنا، ونلمس ذلك في كل محافظات البلاد، لذلك أقول إن تخويف الشارع الجزائري منا لن ينجح. - ألا تعتقدون أن حركة (حمس) اهتزت صورتها لدى الشارع الجزائري بعد موالاتها السلطة بعد مجيء بوتفليقة الحكم وأنتم واحد من القيادات التي ظلت تعارض دخول الحركة الائتلاف الحكومي؟ * أنا لا أنكر أن الحركة عرفت صعوبات مرتبطة بالوضع السياسي في الجزائر، على رأسه الوضع الأمني الصعب، فلم يكن ممكنا والبلاد تمر بفتنة أن تبقى الأحزاب الوطنية والإسلامية مكتوفة الأيدي ولا تساهم في إطفاء نار الفتنة، أحيانا هذه المواقف لا تعجب كل الناس بكل تأكيد، وشهدت حركة (حمس) منذ بداية التسعينات نقاشا هاما داخل هياكلها وأجمعت قياداتها على ضرورة نهج التعاون مع نظام الحكم لإخراج البلاد من الأزمة، وظل النقاش قائما حتى بعد رحيل مؤسس الحركة الشيخ محفوظ نحناح للنظر في إمكانية تغيير خطها السياسي، واليوم قررت مؤسسات الأخيرة تغيير الخط السياسي والذهاب نحو المعارضة المعتدلة وهو ما جسده المؤتمر الخامس للحركة المنعقد في 2 مايو الجاري. - هل تنتقلون إلى المعارضة لأن سياسة المولاة لم تؤت أكلها، بدليل تراجع الحركة في الاستحقاقات المحلية والتشريعية الأخيرة، واتهامها السلطة بتزوير الانتخابات، أم هي تمويه وتلاعب ومحاولة للحركة لتقديم نفسها بثوب جديد لدى الشارع الجزائري تحسبا لاستحقاق الرئاسة؟ * نحن اخترنا بقناعة دينية ووطنية نهج المشاركة وليس الموالاة، فالموالاة لله ورسوله، من أجل إنقاذ وحماية مؤسسات الدولة حتى لا ينهار السقف على الجميع. وأدينا دورنا وحققنا نتائج، ولما خرجت الجزائر من الأزمة وأصبحت استحقاقات الإصلاح مطلبا كبيرا جدا حاولنا من خلال مؤسسات الدولة الدفع باتجاه الإصلاح السياسي لكن فشلنا، ولما ظهر أننا فشلنا وهبّت رياح الحريات في العالم العربي، غاب مبرر وجودنا في الحكومة و كان لا بدّ من الانتقال إلى المعارضة خدمة لصالح البلاد وليس لأي حسابات سياسية. - لكنكم قلتم أن النظام لم يقدّر جهود الحركة في إقرار السلم عندما كانت الجزائر في محنة، هل يمكن قراءة قرار التحوّل إلى المعارضة بأنه نوع من " الانتقام " من هذه السلطة؟ * نحن لسنا انتقاميين، عندما قلنا إن السلطة لم تقدّر جهودنا معنى ذلك أنها لم تتح لنا الفرصة لنخدم بلدنا بمشاركة حقيقية على أساس البرامج والرجال، فضلا عن التزوير المستمر للانتخابات، الأمر الذي أغمط حقنا في البرلمان والمجالس البلدية والولائية، وتجاهلها كفاءات رجالنا داخل مؤسسات الدولة، هل نبقى نتفرج؟ إذا بقينا كنّا سندعم الفساد، لذلك اخترنا المعارضة للمصلحة الوطنية. - هل المصلحة التي تتحدث عنها، مصلحة الجزائر حاليا، في وصولكم إلى الحكم، ألا ترون أن ما يجري في دول الجوار، وما أفرزته ثورات الربيع العربي، أي وصول الإسلاميين إلى الحكم وما انجر عن ذلك من أوضاع متفجرة صدّرت صورا "غير مرغوب" فيها عن حكم الإسلاميين، ما قد يكون في غير صالحكم إذا تقدم التيار الإسلامي بمرشَح لرئاسيات 2014؟ * الوضع الذي وصلت إليه هذه الدول هو نتاج الأنظمة العربية السابقة لأنها منعت التداول السلس على السلطة، هي حاربت شعوبها عندما طالبت بالإصلاح وعقّدت مسيرة الانتقال السلمي للسلطة وهذه المأساة التي تعيشها هذه الدول مأساة ظرفية وستخرج منها منتصرة. ثم لماذا نتخوف من التيار الإسلامي؟ - الجزائريون جربّوا الإسلاميين، وما حصل خلال عشرية الدم لا يرغب الجزائريون في العودة إليه، حتى السلطة تحمّل الإسلاميين مآسي العشرية السوداء؟ * التيار الإسلامي لم يحكم في الجزائر، فاز في انتخابات 1991 التي أجهضت لكنه لم يصل إلى الحكم. والذي بيده الحكم يحمّل الآخرين ما يشاء، و كل طرف له حصته في المسؤولية، ولا يمكن تحميل التيار الإسلامي كل شيء، هذا الكلام غير عادل، وصار غير مقبول بالأخص بالنسبة لحركتنا التي جرّبت لسنوات العمل السياسي داخل الحكومة و كان رجالاتها من أحسن الكفاءات. - بين ايديكم الآن ما بات يعرف ب "وثيقة لمّ الشمل" التي اقترحتها الحركة لتوحيد التيار الإسلامي في الجزائر بالأخص القيادات التي انشقت عن الحركة وأسست أحزابا هل انتم ماضون في تحقيق الوحدة مع أحزاب وزعامات إسلامية رفضت فيما مضى التجاوب مع مسعاكم على رأسهم الشيخ جاب الله وهذا عشية الاستحقاقات الرئاسية القادمة؟ * لقد أمضينا على وثيقة مشتركة، وفيه لجنة تجتمع كل أسبوع للتدقيق في المسعى والمسار، وسنبقى نسعى من أجل توحيد التيار الإسلامي. أما الشيخ عبدالله جاب الله، فلقد سعيت معه منذ بناء "تكتل الجزائر الخضراء" الذي يضم ثلاثة أحزاب إسلامية، لكنه لم يستجيب للنداء. -هل نرتقب دخول التيار الإسلامي بمترشح واحد للاستحقاقات الرئاسية المقبلة؟ * النقاش حول الرئاسيات سابق لأوانه. - لكنكم تربطون الحديث عن الرئاسيات إلى ما بعد تعافي الرئيس بوتفليقة. هل بات موضوع الرئاسيات مربوطاً بتعافي الرئيس الجزائري فيما كنتم قبل ذلك تتحدثون عن ضرورة التداول على السلطة.. *هناك دستور يحكمنا، وهناك رئيس مريض، نتمنى له الشفاء، المطلوب الآن من الحكومة أن تكون أكثر شفافية في تعاطيها مع ملف صحة الرئيس، الرأي العام له الحق في معرفة الملف الصحي للرئيس حتى نستطيع الحديث عن الآفاق المستقبلية للبلاد. - تشير بعض القراءات أن عبدالعزيز بلخادم، الأمين العام السابق للحزب العتيد، جبهة التحرير، يطمع في الاستفادة من الوعاء الإسلامي، وأن ثمة صفقة قد رتّبت بينكم و بين بلخادم الذي تنعته وسائل الإعلام المحلية ب "الإسلامي المتخفي في ثوب الوطني" خاصة وأن الرجل لم يخف طموحه لاعتلاء قصر المرادية؟ * لم ألتق بعبدالعزيز بلخادم، ولم أسمع منه عبر الهاتف سوى عبارات المباركة والدعاء لي بالتوفيق في هذا الموقع الذي أصبحت فيه. وحتى وإن عرض الرجل تحالفا فإن مؤسسات الحركة هي من تدرس ذلك ولست أنا. أما القول بأن بلخادم "إسلامي متخفٍ في ثوب وطني" فالمتدينون موجودون حتى داخل الأحزاب التي تقول عن نفسها علمانية. - تتحدثون حاليا عمّا تسمونه مصالح مالية، كعامل جديد بات يتحكم اليوم أكثر من أي وقت مضى في الاستحقاق المقبل، تقصدون من؟ * الأمر مرتبط بحالتين، الحالة الأولى هي وجود سيولة مالية كبيرة جدا في الجزائر بسبب ارتفاع سعر البترول، والحالة الثانية تعطّل كل أدوات الرقابة على المال العام لا البرلمان يراقب ولا المجتمع المدني يراقب ولا القضاء يراقب ولا الإعلام يراقب وفي مثل هذه الحالات تخلق مجموعات المصالح. والذي يستفيد من هذه المجموعات هم من بيدهم النفوذ والسلطة.