القراءة من الأنشطة القديمة في تاريخ الإنسانية، وهي التي تنمي العقل والذات، وكل المعارف لابد لها من قراءة حتى الفنون والجماليات والمهن تحتاج إلى قراءة. وتتنوع أساليب القراءة، بين متخصص في مجالٍ واحد لا يحيد عنه ولا يغيره، وبين من يأخذ من كل بحرٍ قطرة. والأسلوب الأول مهم للمتخصص في مجالٍ معين كالطبيب الذي لابد له أن يقرأ في مجاله مستكشفاً المجالات الجديدة والعلاجات والصرعات الحديثة لأن الطب ليس ثابتاً بل يتطور كذلك العلوم الطبيعية بعامةٍ كالفيزياء والكيمياء وغيرها. النوع الثاني هي القراءة المتنوعة التي يتنقل فيها القارئ بين التاريخ والأدب والفكر والسياسة، وقد قيل المثقف الذي يعرف شيئاً عن كل شيء ويتخصص لاحقاً ليعرف كل شيء عن الشيء الذي تخصص فيه. كان الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله يقول إن بدايته في القراءة كانت شاقة، وكانت الكتب التي يقرؤها ليست من اختياره بل وجدها في البيت، يقول بدأت أقرأ وأقرأ أفهم قليلاً وأجهل كثيراً، واكتشف الطنطاوي أن المثابرة على القراءة ضرورة حتى لو فتحت كتاباً وأنت مرهق ولم تفهم منه إلا 10%. القراءة ليست حفظاً بل الكتاب تمر عليه وتتركه، ما تظن أنك نسيته يعود ولو بعد حين، والقراءة تشكل وتغير وتضيف وتطور وهي ليست محفوظات أو ملفوظات بل هي الفهم والإدراك والمداومة على تقليب الكتاب. في بداية الألفية الحالية طرح سؤال انتهاء الكتاب الورقي، وهو سؤال أعترف أننا كلنا أحرجنا إزاءه، ظننا أن الصحف الإليكترونية والكتاب الإليكتروني سيكتسحان الكتاب الورقي، الآن ثبت أن الكتاب الورقي يتماسك، عشرات الآلاف من الكتب التي تباع، أقول ذلك وأنا ناشر وغارق في مجال النشر والورق وأعلم أن الكتاب الورقي بصحةٍ جيدة ولن تضره عواتي الإليكترونيات بشيء، حتى وإن قال الشاعر: لكل زمانٍ مضى آيةٌ ** وآية هذا الزمان الصحف! فإن الآية الكبرى الحقيقية الماثلة أمام البشرية طولاً وعرضاً ليس الآيفون أو الأجهزة الحديثة بل الآية سحر الكتاب ومتعة تقليبه وتصفحه والغرق بمتعة قراءته هذه هي الآية. بآخر السطر، اليوم العالمي للقراءة فرصة لأن نعلم أولادنا على القراءة، وأتمنى أن نخط خط حكومة أبو ظبي التي دعمت المجتمع ب"كوبونات" مجانية لشراء ما لذ وطاب من الكتب، هذه هي المبادرة الثمينة.