يُبالغ بعض كتاب الصحافة الشعبية وبعض المُتحدثين عنها في تكرار الكلام عن افتقاد قصائد الشعراء الشباب لعنصر الإدهاش وهو العُنصر الذي يزعمون أن أشعار القدماء كانت حافلة به، وأعتقد أن في مثل هذا الكلام إجحافاً كبيراً في حق الشعراء الشباب المُبدعين، ففي كل العصور تتفاوت مستويات الشعراء وقدرتهم على تجويد قصائدهم وإبداع وابتكار الجديد، إضافة إلى أن الشيء الثمين سواء أكان شعراً أم غيره يحتاج لبعض الاجتهاد في البحث للحصول عليه، لكن مُشكلة كثير ممن يطلقون هذه الأحكام هو كسلهم وقيامهم بأقل المطلوب وهو الاستماع للقصائد من مصدر واحد أو من مصادر محدودة. هناك سبب آخر يجعل الاستماع لمثل هذه الأحكام المجحفة باستمرار أمراً مألوفاً وهو أن من ينفي الإبداع عن الشباب غالباً ما يكون من أولئك الذين تشبّعوا من قراءة الشعر والاستماع إليه على مدى سنوات طويلة، لدرجة أن صدور أي ردة فعل إيجابية منه تجاه القصيدة مهما بلغ حجم الإبداع والتميز فيها أصبح أمراً مُستحيلاً، ويُمكن أن نُشبه حال هؤلاء في شكواهم من فقدان قصائد الشعراء الشباب لأي طعم يُثير الدهشة بحال بعض كبار السن الذين لا نستغرب من سخطهم وشكواهم المتواصلة من تغيُر الحياة إلى الأسوأ ومن فقدانها للكثير من لذتها وبهجتها، إذ لا يستطيع واحدهم التخلص من حنينه الجارف إلى الماضي حتى لو كان ذلك الماضي مليئاً بالمشقة والبؤس، وأظن أن كلاً منّا قد قابل كبيراً في السن يتحدث عن تغير طعم الأشياء من حوله: فالقهوة لم تعد لها نكهة أو طعم القهوة في الماضي، والتمر فقد حلاوته ولذته القديمة، وحتى الماء ليس هو الماء الذي كان له طعم طيب ومُختلف عن طعمه الآن ...! حالة مُتلقي القصيدة النفسية لها دور كبير أيضاً في مدى تفاعله معها وإدراكه لعناصر الجمال والتميز فيها، فتلقي الشعر والتفاعل معه ومدى قدرته على التأثير في نفوسنا يحتاج لقابلية من المُستمع أو القارئ، فحالة المتلقي واستعداده النفسي ضروري جداً لتحديد درجة تأثره بالقصيدة والتفاعل معها ورؤية جمالياتها والإحساس بمواطن الدهشة فيها، ومما يؤكد صحة هذا الأمر أن الواحد منّا قد يتأثر أو يزيد تأثره بذات القصيدة في وقت دون آخر أو في مرحلة عمرية غير الأخرى، وأجزم أن تفاعل الرجل الكبير في السن مع قصيدة في غرض (الحكمة) سيكون أكبر من تفاعل الشاب، وتفاعل الشاب بأغراض أخرى كالغزل سيكون أكبر من درجة تفاعل الكبير معها، والذي يعيش حالة حب سيتأثر بالقصائد التي تتحدث عن الحب ومُعاناته أكثر من تفاعله مع أي أغراض أخرى. من الإنصاف لتجارب الشعراء الشباب ألا يكون حكمنا عليها بشكل إجمالي يقوم على تعصب للماضي أو تسرع في إصدار الحكم، لأن هناك العديد من الشعراء الشباب الذين يكتبون قصائد مُتميزة وذات طعم ونكهة مُختلفة، لكن إيجاد تلك القصائد والاستمتاع بها يحتاج منّا لمزيد من الاجتهاد في البحث والتدقيق والحكم عليها بواقعية وتجرد. أخيراً يقول المبدع حمد البريدي: طالبك ما دمت تقدر لا تغيب كل ما شفتك شعوري يلتهي أسرع أوقات العمر شوفة حبيب ليت لحظات اللقا ما تنتهي