اشتهرت المرأة العربية خاصة بقوتها على مر العصور، ومع تلك القوة رقة ورحمة وحنان.. ولا تتنافى الرقة مع القوة، فإن أقوى ساسة العالم يبدون رقيقين، ولكنهم الأسود إذا جدّ الجدّ!.. والمرأة عامة كثيراً ما تجمع بعض المتناقضات: قد تخاف من الصرصار وتواجه الأسد.. وقد تفر من الفأر وتثبت في وجه الرجل العنيف الغاضب! والرِّقة يقابلها القسوة، كما أن الضعف يقابله القوة، وللمرأة من كل ذلك نصيب عجيب، ليس كل امرأة بطبيعة الحال، ولكن كثيرا من بنات حواء! فإن المرأة تبلغ بها الرِّقة إلى حد أنها تذرف الدموع الساخنة وتصدر التنهدات الحارة وهي تتابع مسلسلا في التلفزيون، أو تقرأ قصة من قصص المآسي، ومع هذه الرقة السابحة في الخيال قد تقسو - في الواقع على خادمتها المسكينة البائسة الوحيدة والغريبة، التي هي من جنسها وأحوج ما تكون لتعاطفها ورقتها.. وقد تقسو عليها بلا سبب يدعو للقسوة!.. وقد تجد في الجور عليها متنفساً لظلم زوجها لها أو قسوة الظروف عليها! بنتٍ ولي رقه ولي قلب حسّاس لكن إلى جيت اللوازيم ذيبه بعض النساء يفعلن ذلك! وهو أمر سيئ جداً.. ويفعله بعض الرجال أيضاً!.. فقد يقسو الرجل على زوجته وصغاره وخادمه تنفيساً لضعفه أمام مديره الذي قسا عليه!.. وهذا ما يميز معادن النساء والرجال! فإن المعدن الكريم هو الذي يجعل صاحبه منصفاً لمن يقدر عليهم غير ظالم لهم ولا قاسٍ عليهم ولا سيئ الأخلاق! أنت الحياة تفيض بالخصب المعطر كالسحابه أفضل مقياس لمعرفة (أخلاق الإنسان الحقيقية - ذكراً كان أو أنثى) هو معاملته لمن هم دونه ومن يقدر عليهم فإن كانت معاملة كريمة فهو كريم الأخلاق وإن كانت معاملة لئيمة فهو (لئيم) أما معاملته من هم فوقه فيشوبها الخوف والخداع والرياء والنفاق! لا تعكس الحقيقة ولا تصدر من الطبع ولا تدل على الخلق القار في النفس، إنما يدل على ذلك معاملته لمن هم أقلُّ منه وأضعف! * * * وفي الأساطير أن المرأة كائن ممزوج من رقة النسيم وقوة العاصفة، من ضعف الوردة إلى قسوة الصخرة، ومن لين الغصن الرطب إلى صلابة اليد! وحار كثير من الأدباء في تفسير ما يتراءى لهم من تناقض بين ضعف المرأة وقوتها، رقتها وقسوتها، حنانها وشراستها، بعضهم رأى في ذلك تمويهاً على الرجل حتى يقوم بكل الحمل وتستمتع هي بأطائب الحياة تاركة التعب على الرجل متظاهرة بالضعف والدعة!! غازي القصيبي ومنهم الذي يرى أن تلك خصال أصيلة فيها، فقد تثبت في مواقف يجبن فيها الرجال ويفرون، وتصبر على متاعب لا يطيقها عتاة الرجال، ومع ذلك تجمع النقيض إلى النقيض، فتضعف في مواقف لا تخيف الضعيف، وتجزع من أمور لا تستحق الجزع، وفي كل الأحوال فهي قادرة - في نظرهم - على تخريب عقول الرجال! * * * ويرى آخرون أن ضعف المرأة سببه اجتماعي لا غير! وإلا فإنها أقوى من الرجل وأطول عمراً وأفضل صحة في المتوسط.. وأقدر على سياسة الرجال، وأن ما يشاع عن ضعف المرأة مصدره الرجل الذي يتوهم ذلك، وقد أسعد المرأة هذا الوهم حتى لا تختل موازين القوى، وحتى تحافظ على كرامة الرجل طالما حقق لها مآربها.. وإلا فالويل له والنصر لها! * * * ويرى آخرون أن المرأة ضعيفة بالنسبة إلى الرجل، وأنها كالزجاج، وهذا أصدق الأقوال فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء خيراً، وقال (رفقاً بالقوارير) والموصى به يكون أضعف من الذي وُجِّهت له الوصية وطلب منه الرفق.. * * * وبشكل عام فإن المرأة رقيقة جداً كأوراق وردة مع من تحبه وتحترمه.. وقوية جداً ضد من تكرهه وتحتقره.. وهي في تلك الأحوال تستمد الرقة والقوة من شلالات عواطفها الصاخبة كالسيل المندفع.. * * * تقول شاعرة رمزت لنفسها باسم (خجل): بنتٍ وبي رقّه ولي قلب حسّاس لكن إلى جيت اللوازيم ذيبه في غرفتي (ورده) و(شمعه) وكرّاس وفستان وردي فيه (قصة) غريبه لكن (طرف) ثوبي ولو (ينداس) أدوس خشم اللي (يدوسه) و(جيبه) وهذه المقطوعة تصور مدى الرقة والقوة لدى المرأة وفي أي المواقف تكون، فهي رقيقة بذاتها غوكما هي ولكنها قوية جداً ضد من أراد افتراسها.. وللمرحوم غازي القصيبي رائعته: (حواء العظيمة) (أنتِ السعادة والكآبة، والوجد حبك والصبابه أنتِ الحياة تفيض بالخصب، الممطر كالسحابه منك الوجود يعب فرحته، ويستدني شبابه وعلى عيونك تنثر الأحلام أنجمها المذابه وعلى شفاهك يكشف الفجر الجميل لنا نقابه أوحيت للشعراء ما كتبوا فخلِّدت الكتابه وهمست للخطباء فارتجلوا البديع من الخطابه وخطرت في التاريخ طيفاً تعشق الرؤيا انسكابه) * * * ضلّ الأولى حسبوك جسماً لا يملون اغتصابه وضجيعة مسلوبة الإحساس طيِّعة الاجابه وذبيحة نحرت لياتي الذئب منها ما استطابه وبضاعة في السوق باعتها العصابة للعصابه تبقين أنتِ فقهقهي مما يدور ببال غابه تبقين أنتِ ويذهبون إذا الصباحُ جلا ضبابه تبقين أنتِ ويذهبون ذبابة تتلو ذبابه)!