رغم كوننا نهرع عادة إلى رفع فتاوى مانعة حاجبة في وجه كل جديد وطارئ, ورغم استرابتنا ورفضنا للجديد والمختلف, إلا أن ورش تطوير الذات, والبرمجة اللغوية, والطب البديل وسواه من ملامح ما يسمونه العصر الجديد أو New age قد مررت إلى الداخل بيسر وسهولة كما يمرق السهم من الرمية, وعدا فتوى مستريبة واجهت البرمجة اللغوية العصبية في البداية, ولكنها سرعان ما انكمشت, لتنتشر ورش البرمجة اللغوية وتطوير الذات, ساحبة خلفها مئات المؤلفات, والأفكار, وورش العمل, والمدربين, ومواقع الأنترنت... وسوى ذلك. ولعل جزءا كبيرا من رواجها على المستوى المحلي يعود في غالبيته إلى الجانب السحري الماورائي الخارق في مكونها, مع التركيز على منطقة اللاوعي في النفس البشرية وفق نظرية عالم النفس الشهير (يونغ), وهي نظريات وإن كانت تظهر في إطار علمي, وتمارس في مؤسسات علمية إلا أنها على الغالب تتصل بشكل جذري مع الباراسيكولجي أو علم نفس الماورائيات. والكثير من محتوى ورش تطوير الذات والبرمجة اللغوية, يعتمد في مادته العلمية على مكونات تجميعية ما بين الفكر الغنوصي وفلسفة الثقافات الشرقية الروحانية, والأيورفيدا, والفينكشوي وجميع مكونات فلسفة العصر الجديد الذي يلقى الآن رواجا كبيرا في الغرب هذا الرواج ليس على مستوى الأفكار فقط! بل أيضا عبر الممارسة اليومية من أساليب حياة صحية, أطعمة عضوية, وأردية تتواءم مع الخلفية الثقافية لتلك الفلسفات. ويرجع البعض هذا الانتشار إلى عجز العلم الحديث عن الإجابة عن جميع أسئلة الإنسان الغربي وطمأنة قلقه الوجودي, فتصبح تلك الفلسفات نوعا من الردة ضد يقين وفيزياء العلم باتجاه... الميتافيزيقيا, بشكل يقوض جميع منجز الفكر العقلاني منذ الفلسفة الأغريقية إلى العصر الحديث. وبما أننا نحن في المنطقة مابرحنا نعيش في زمن الخرافة, ولم يجد العقل والممارسات العقلانية والمنطقية الفلسفية حيزا لها في أرضيتنا الفكرية فبالتالي بذار تلك الأفكار أنتجت غابة من ورش تطوير الذات, أو وصفات الطب البديل التي أصبحت امتدادا للطب الشعبي المحلي مستثمرا ثقة قطاع كبير من المجتمع بالطب الشعبي, إضافة إلى الجنوح إلى منطقة اللاوعي والأحلام في بعض تلك الورش وهي ممارسة على الغالب مقبولة ومستساغة لدينا, لأن فكرة الرؤى والأحلام تأويلها واستكناه المستقبل أو الغامض من خلالها هو جزء حاضر وفاعل إلى الساعة في نسيجنا الفكري. لذا هو رواج يعكس فراغ مكوننا الفكري من العلم, أو الفلسفة, أو المنطق فبتنا كما يقول الشاعر يزيد بن الطثرية: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... وصادف قلبا خاليا فتمكنا مقدمو ومنظمو تلك الورش في غالبيتهم يحرصون على تقديمها وتقديم أنفسهم ضمن إطار ديني, مع إضفاء لمسات محلية عليها بحيث لا تكون خادشة للمعتقد المحلي وفي الوقت نفسه يحرصون على تنفيذ تلك الورش وتقديمها من خلال نظم وأساليب حديثة ليحصلوا على مهابة رجل العلم. وفي النهاية نجد أن ورش العصر الجديد, أو لربما عصر الخرافة... تنمو وتتكاثر يوميا كنبات الفطر حولنا... ولا أعلم هل قدمت جميع الحلول والأجوبة.