انتشر في السنوات الأخيرة كم وافر من الكتب التي يسمونها كتب (تطوير الذات) وهي كتب لا تحتوي على نظريات فلسفية أوعمق فكري, بقدر ما هي تقترب من كونها كتيبات تشغيلية أو إرشادية من الممكن أن تمد مطالعها بالوعود التي قد تكفل له مقاربة العالم حوله بيسر وسهولة, وتسهم في تفسير وتحليل الكثير من غموض الدرب أو وعورته, مع استنهاض الطاقات والقدرات الذاتية التي تمكن الفرد من التغلب على معوقاته والوصول إلى التفوق والنجاح... وفلسفة إذا كان هذا العالم لعبة فتلك هي قوانينها. تحتوي هذه الكتيبات في جزء كبير من مادتها على فكر سحري يتمرد على العلم وقوانينه الوضعية, ويميل إلى توظيف الروحانيات ومجال اللاوعي وعلم النفس للإجابة على الاشكاليات الوجودية داخل البشر وعلاقتهم بمحيطهم, ويدخل في هذا تكريس اللاوعي كالمحرك الرئيس لحياة البشر بينما الوعي (العقل) يمثل رأسا صغيرا لجبل جليد ضخم وهائل ومختف في أعماق اللاوعي, وبالتالي بإمكان الجميع استثمار الطاقات الهائلة المختزنة في جبل الجليد المغيب, بوسائل وسبل تشبه اللعبة الطفولية أحيانا فبعض الكتب تلعب في أرض التنويم المغناطيسي وتشير إلى أنه بإمكان أينا أن يتمتم بكلمة ثروة يوميا قبل النوم حتى يكتنز عقله اللاوعي بهذه الكلمة وبالتالي يصبح قادرا على خلق المجال المغنطيسي الذي يجلب الثروة إليه ( بعد قضية الرهن العقاري والركود الاقتصادي في الولاياتالمتحدة ظهر تيار كبير في الولاياتالمتحدة مناهض لتفكير الأماني الرغبوي هذا وجعله جزءاً من أسباب الانهيار الناتج عن التهويم في أرض الأحلام اللاواقعية). تلك الكتب ظهرت كجزء من فكر مابعد الحداثة الذي يحتفي بالهامشي والمغيب والشعبي, وبالتالي أصبح هناك استنطاقا لجميع الفكر الخرافي السحري الذي حيده العقل الحداثي وهمشه. ووجد سوقا خصبة من حوله داخل الثقافة الاستهلاكية المتخمة بأحلام النجاح والثروة والسطوة. تزامن وصول هذه الكتيبات إلى العالم العربي مع أحداث 11 سبتمبر, وفي الفترة التي كان فيها الفكر المنغلق المتزمت يتسيد المشهد وقد بلغ ذروته آنذاك عبر تحويل التجييش النظري الذي استمر لسنوات إلى عمل عسكري ميداني ظهر على شكل تفجيرات شملت أقطار العالم بعد أن نزل مريدوه واعضاؤه الحركيون إلى ساحة المعركة على شكل جماعات دينية مسيسية تنشد الفوضي. بعد أحداث العنف العالمي بفترة وجيزة بدأت كتب تطوير الذات تظهر في فضاؤنا العربي و تترجم بكثافة وتصطف على أرفف المكتبات بكثرة . محتواها البسيط , وطابعها الإرشادي الذي يدخل صميم تفاصيل حياة الأفراد اليومية جعل لها شعبية وتداولا كبيرا , كمما أن الجانب السحري أو الخرافي بها يمد روادها ومقتنيها بالكثير من الأجوبة التي عجز الفكر الصحوي أن يجيب عليها , فهل توقيت ظهورها هو محض مصادفة ام هي عملية مرتبة بنعومة ودقة ؟ أيضا ظهرت ورش تدريبية مرادفة وتسعى إلى التطوير الذاتي تحت مسمى (البرمجة اللغوية العصبية ) مقولبة جميعها في طرح جميل جذاب سهل المتناول قريب إلى الأذهان , يمد مريديه بمصباح يدوي صغير من الممكن أن يستجلي غموض الأسئلة وعقبات الدرب , أوجس الفكر الصحوي وقتها من هذا الطرح خيفة وشعر بالتهديد كونها من الممكن أن تستلبه المجد والمنبر , فقام عندها بمواجهة هذه الموجة عبر فتوى تحريم , وعلى الرغم من هذا بقيت متداولة بين الناس بل تكاثر مريديها والمفارقة هنا ظهرت لاحقا عندما بات طابعها السهل المرتبط بالحياة اليومية ومضمونها التفاؤلي وتأكيدها على أهمية الطاقات الايجابية في السلوك والتفكير جزءا من الخطاب الدعوي للكثير من الدعاة حاليا , وتبنت أحد المكتبات المحلية الكبرى لدينا عملية ترجمة ونشر وتوزيع هذه الكتب الشعبية الرائجة وتسويقها على نطاق واسع . المنطقة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تكثفت حولها الضوء كبؤرة حاضنة للعنف الديني والإسلام المسيس , ومن هنا لانستطيع أن نكتفي بتفسير انتشار هذه النوعية من الكتب إلى طابعنا الاستهلاكي فقط , فهنا بالتحديد لانستطيع أن نستغني تماما عن توظيف نظرية المؤامرة, وأن هناك أيدي ناعمة وهادئة تقوم بعملية إحلال مطرد واستبدال للفكر المتزمت المنغلق على يقينه , بالفكر التفاؤلي الايجابي الملون والمزخرف بالخرافة والعصا السحرية التي ستحقق لنا جميع أحلام الاستهلاكية بالجاه والثروة والنجاح.