اختلف مختصون في علم البرمجة اللغوية العصبية، ما بين مدافع ومناهض حول بعض برامجها وتدريسها ضمن العلوم الإدارية ومخالفتها لبعض ثوابت الشريعة الإسلامية، في حين اتفقوا على الاستفادة منها في جميع مجالات الإدارة سواءً في القطاع العام أو الخاص. وقالوا ل "الرياض الاقتصادي" إن البرمجة اللغوية العصبية أو " NLP" تحدد الأهداف الرئيسية، التخطيط الاستراتيجي، صناعة القرار، تحفيز الموظفين، مهارات التفاوض، مهارات البيع والتسويق، الإبداع وحل المشكلات، إدارة الاجتماعات، إدارة الوقت، والتوظيف. واعتبروا أن البرمجة اللغوية العصبية تدرس العلاقة الداخلية بين التفكير واللغة والإنجاز، وتساعد المديرين على فهم الموظفين والناس وكيفية تحفيزهم، ومعرفة السلوكيات والمهارات المهمة من خلال دراسة أشخاص مميزين في مجالات معينة ومن ثم تعميم نتائج هذه الدراسة للآخرين ليحذوا حذوهم. وأكدوا أن العلوم الإنسانية يمكن أن تُسخر لخدمة أي علوم أخرى وتتبادل معها ويكمل بعضها البعض، لافتين إلى أن أي علم يظهر لنا في مجال الإدارة، التسويق، الاقتصاد، علم النفس، الاجتماع، والعلوم الإنسانية بصفة عامة، هي من العلوم التي يمكن أن تتغير بتغير الزمان والمكان وبتغير الكثير من النظريات الحديثة التي تأتي لكي تلغي ما قبلها أو تقوم بتحديث أي معلومات، أو بتطوير أفكار جديدة. وأشار الدكتور محمد البيشي أستاذ الإدارة المشارك في معهد الإدارة العامة بالرياض، إلى أن هناك نقاط التقاء بين أعلام الفكر الإداري وبعض مفاهيم البرمجة العصبية خصوصا المدرسة الكلاسيكية، ومدرسة العلاقات الإنسانية. وقال البيشي إن البرمجة اللغوية العصبية عرفت في منتصف السبعينات عندما وضع العالمان الأمريكيان جون غرندر "عالم لغويات" وريتشارد باندلر "عالم لغويات" أصول علم البرمجة اللغوية العصبية؛ وذلك من خلال أبحاث قام بها علماء آخرون أمثال فرجينيا ساتير. ملتون. تشومسكي وبافلوف،معتبرا أنها كتيب تعليمات لكيفية استعمال الإنسان لدماغه تتضمن طرقاً وأساليب معينة تمكن من التأثير في عملية الإدراك والتصور والشعور وبالتالي في السلوك والمهارات والأداء الحركي والفكري. وذكر أن الإدارة عملية اجتماعية مستمرة تعمل على استغلال الموارد لتحقيق الأهداف من خلال العملية الإدارية "التخطيط، التنظيم، القيادة، والمتابعة، إضافةً إلى الاتصال والتنسيق وحل المشكلات بحيث تستند على فكر إداري عريق يشمل: المدرسة الكلاسيكية، العلمية، الإنسانية، الكمية، الثقافة التنظيمية، القوة، والجودة الشاملة. وأكد أستاذ الإدارة المشارك في معهد الإدارة العامة بالرياض، أن البرمجة اللغوية العصبية يستفاد منها في جميع مجالات الإدارة في القطاع العام أو الخاص وهي: تحديد الأهداف، التخطيط الاستراتيجي، صناعة القرار، تحفيز الموظفين، مهارات التفاوض، مهارات البيع والتسويق، الإبداع وحل المشكلات، إدارة الاجتماعات، إدارة الوقت، والتوظيف. واعتبر البيشي أن علم الإدارة غني بما لديه من فكر ثري يفوق بمراحل ما يتوفر للبرمجة اللغوية العصبية، ولكن علاوةً على ذلك يمكن الاستفادة من البرمجة اللغوية العصبية في الترسيخ والتطبيق لمفاهيم الإدارة، مبيناً أن من المفاهيم المعروفة في برمجة اللغة العصبية مقولة "مأساة الحياة لا تكمن في عدم وصولك للهدف". ولكنها تكمن في أن لا يكون لك هدف تحاول الوصول إليه..وهو ما يتفق مع مكونات الخطة "الهدف والوسيلة والمعيار" مستدركاً إلى القول إن المسلم يعرف المطلوب منه من خلال قول الله "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" الآية. ولفت البيشي إلى أن التطوير هو عملية استبدال الممارسات الخاطئة بممارسات صحيحة وهذه الممارسات الخاطئة قد يكون مصدرها القيادات العليا أو الوسطى، موضحا أن البرمجة العصبية قد تساعد في عملية التحليل والإحلال ومن الممكن الاستعانة بها في تطوير القدرات العقلية التي هي متطلب حيوي في التحليل ومن الممكن الاستفادة منها في تنمية كفاءة المدير الفعال. ونفى البيشي أن البرمجة اللغوية العصبية ساهمت في إيجاد الحلول الإدارية، مبينا أن هذه المهارات ساهم فيها علم النفس الذي يدعى منظرو البرمجة اللغوية العصبية أنهم ليسوا منها، وأن علم النفس هو " العلم الذي يدرس سلوك الكائن الحي ويتفاعل مع بيئته ويتكيف معها"، إضافةً إلى أن علم الاجتماع وعلم السلوك التنظيمي والعلوم الشرعية والتربوية الجديدة هو أسلوب العرض وبراعة الطرح وتجاوز الحقل الواحد إلى جمع أكثر من حقل علمي. وحول الثقة بالنفس ، التحكم بالذات، نجاح الإدارة العليا، وقوانين العقل الباطني، هل لها علاقة بالإدارة .. و هل ساهمت البرمجة اللغوية العصبية في إيجاد الحلول الإدارية؟؛ قال الدكتور البيشي إن معنى الآية "الكاظمين الغيظ" وهل كظم الغيظ صورة من صور التحكم بالذات وهل موقف الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مع قريش وقوله والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري وهذه إلا صورة من صور الثقة في النفس أليس المطلوب من المسلم الاقتداء بالرسول الكريم " - على حد قوله. وأضاف : أن العلوم تتآزر ويستفيد بعضها من بعض لأن جوهر اهتمامها الإنسان وعقله وتفسير سلوكه وتصرفاته، ولكن العلوم الأخرى ليست فقيرة ومعوزة، فمثلا في موضوع الحلول الإدارية الإدارة لديها أساليب تقليدية وأساليب علمية وإبداعية، وهناك حلول ميكانيكية وحلول رياضية وحلول تتم في المختبر وحلول بشرية يمكن أن تساهم فيها البرمجة اللغوية العصبية. وعن إدراج البرمجة اللغوية العصبية ضمن المواد الدراسية الإدارية .. ولماذا ؟. أوضح البيشي أنه لا يؤيد ذلك على الإطلاق لأن الإدارة لديها ما يفوق البرمجة اللغوية العصبية،والمشتغلون في الإدارة يفوقون الأربعين مليون إنسان، وعلم الإدارة يتمتع بالمصداقية والدقة والثبات والثقة، نافياً أن ذلك ليس رفضاً للخير، في حين أن علم الإدارة يحاول أن يخرج من عباءة الوعظ والإرشاد إلى تقديم حقائق علمية متجددة وليست مسلمات وقوانين معروفة للقاصي والداني. وأبان أن هناك ثلاثة عوامل في البرمجة اللغوية العصبية تحد من إدراكنا للعالم الخارجي، وهي : الحواس، اللغة، والمعتقدات والقيم والمعايير، متسائلاً البيشي في الوقت ذاته:هل هذا الافتراض صحيح قبل الشروع في تطبيقه؟؛ حيثُ إن علم الإدارة يسند الفرض بنظرية ويعزز النظرية بممارسة مستوحاة من تجربة حقيقية عادةً تبدأ في منشآت القطاع الخاص ثم تنتقل لمدارس الإدارة ثم تنتقل إلى القطاع الحكومي الذي يجب أن تقل فيه الأخطاء فهو ملك الجميع ولا مجال فيه للتجارب المشكوك في صحتها، مشيرا إلى أن هذا الموقف لا يعني عدم الاستفادة من البرمجة اللغوية العصبية في ما يتفق مع الثوابت العلمية وتوظيفها كأداة توصيل، خصوصا وأنها كتيب تعليمات لكيفية استعمال الإنسان لدماغه وربما يكون علم النفس أو التربية أقرب لها من علم الإدارة. إلى ذلك، أوضح رشاد عبد الوهاب فقيها خبير التنمية البشرية والتطوير المهني، أن البرمجة اللغوية العصبية هي الدراسة المنهجية والمنظومة الكاملة للتواصل الإنساني، حيث أنها تدرس العلاقة الداخلية بين التفكير واللغة والإنجاز وتعطينا أفضل النماذج لكيفية جعل تميز أفراد معينين، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه يمكن الاستفادة من البرمجة اللغوية العصبية سواءً في القطاع الحكومي أو مؤسسات القطاع الخاص. وذكر فقيها أمثلة للاستفادة من البرمجة اللغوية العصبية من خلال عدة نقاط منها على سبيل المثال لا الحصر :"مساعدة المديرين على فهم الموظفين والناس وكيفية تحفيزهم، ومعرفة السلوكيات والمهارات المهمة من خلال دراسة أشخاص مميزين في مجالات معينة ومن ثم تعميم نتائج هذه الدراسة ليحذوا الآخرون حذوهم، ووضع نموذج واضح للنظام الإداري مما يساعد على إضافة تحسينات عليه،وال ""NLP تساعد المديرين على وضع وتحديد أهداف وإيجاد علاقة تكاملية بين الأهداف والقيم الشخصية للفرد مع الأهداف والقيم العامة للمنظمة، وتمنح مهارات لجعل الاجتماعات أقصر بإنتاجية أعلى، وتعطي المدراء المهارة لتدريب ورفع كفاءة عامليهم". وطرح فقيها سؤالاً : كيف أن هناك أشخاصاً متميزين جداً في مهارة معينة وآخرين لا ؟ فقال : إن قوة السؤال تكمن في التركيز على الكيف ونتج عنه أنهم قاموا بدراسة أفضل النماذج الناجحة في العصر الحالي بهدف إعطاء وصف دقيق لسر تميزهم وكيف تُدرس هذه المهارة للآخرين، مؤكداً أن البرمجة اللغوية العصبية الآن أصبحت تستخدم على نطاق واسع دولياً، وممارسوها المحترفون قاموا بمعرفة ودراسة أفضل الشخصيات الناجحة في كافة المجالات، الرياضة، التعليم، القيادة، المبيعات، وبالتأكيد الإدارة، معتبرا أنها تستطيع البرمجة اللغوية العصبية أن تعطينا إجابة وافية وكافية على هذا السؤال: ما الذي يصنع المدير الناجح؟؛ فأجاب باختصار : لأنها لا تكتفي فقط بدراسة سلوكياتهم فحسب، بل وأهدافهم ،وقيمهم، ومحفزاتهم. ويعتقد فقيها أن المدير الناجح لديه القدرة على التحفيز والتواصل الفعال مع نفسه والآخرين، فكل البرامج - التي تم ذكرها - تساعد على ذلك، واشترط في الوقت نفسه أن يتعين على كل مدير يريد النجاح أن يوازن بين عنصرين مهمين الأول: المهام وإنجازها، بحيث إعطاء تعليمات واضحة وخطوات سهلة الاتباع لأن التعليمات غير الواضحة قد تكون مكلفة جداً فيجب على المدير التأكد من الفهم الواضح لمن حوله للأهداف والسياسات والإجراءات، فأغلب المشاكل تحدث لأننا نعتقد أن الآخر يفهم ما نقول دون أن نشرح له ذلك، أو أننا فهمنا قصد الآخر دون أن نستفسر منه أو نطلب توضيحاً . وزاد: العنصر الثاني العلاقات فكل التواصل الفعال يأتي ضمن العلاقات، حيثُ أن البرمجة اللغوية العصبية درست كيفية بناء علاقة من الثقة والألفة والاحترام المتبادل. وطالب فقيها بإدراج البرمجة اللغوية العصبية ضمن المواد الدراسية للعلوم الإدارية، مشيرا إلى أن أغلب مواد ومقررات الإدارة يكتنفها الجمود والرتابة مما أدى إلى شعور الطلاب بالملل، معللا ذلك بأن كثيرا من هذه المواد أغفلت الجانب الإنساني وتعلم طرق التفكير، على الرغم من أن لها ميزتين فهي محببة للنفس كدراسة وفي الوقت ذاته عنصر أساسي وحيوي في النجاح المهني، مستدلاً بأحد الأبحاث في هذا الشأن، أن الموظفين يتم تعيينهم بناء على السيرة الذاتية ويتم فصلهم بسبب طباعهم وخصائصهم الشخصية. ويرى فقيها أن أكبر خطأ في هذا الصدد أن يتم الاعتماد فقط على الشهادات الأكاديمية وإهمال العنصر الشخصي، وبسببه يفصل كثير من الموظفين، كما يرى أيضاً أن البرمجة اللغوية العصبية مهمة في بناء ثقافة الموظف المهنية وتعامله مع العالم من حوله. واتفق الدكتور عبد العزيز عبد الستار تركستاني أستاذ الإدارة في جامعة الملك سعود،ما ذهب إليه فقيها، مضيفا أن أي علم يظهر لنا في مجال الإدارة والتسويق والاقتصاد وعلم النفس والاجتماع والعلوم الإنسانية بصفة عامة هي من العلوم التي يمكن أن تتغير بتغير الزمان والمكان وبتغير الكثير من النظريات الحديثة التي تأتي لكي تلغي ما قبلها أو تقوم بتحديث أي معلومات، أو بتطوير أفكار جديدة. ولفت تركستاني إلى أن العلوم الإنسانية يمكن تُسخر لخدمة أي علوم أخرى وتتبادل معها ويكمل بعضها البعض، معتقدا أن ظهور علم البرمجة اللغوية العصبية في السبعينات الميلادية والذي دمج بين علم البرمجة واللغة التي يتم التخاطب بها، واختزان البرامج المكتوبة عن طريق الجهاز العصبي. وأكد تركستاني أن استخدام مفردات البرمجة اللغوية العصبية باستطاعتها تطوير علوم الإدارة، وخاصةً الإدارة الوسطى والإدارة العليا، موضحا أن النظر في أساسيات الإدارة سواءً في التخطيط أو غيره سنجد أن البرمجة لها دور كبير في التركيز والتفكير بعمق في كيفية مواجهة الأعمال الإدارية. ويقترح تركستاني على علماء الإدارة وعلماء البرمجة اللغوية العصبية إقامة بعض ورش عمل وندوات للاستفادة من فنون البرمجة بدلاً من الخوض كون أنها شرعية أو غير شرعية وهل هي مناسبة لمجتمعنا العربي المسلم أم لا ؟ واستطرد قائلاً: إن معظم هذه العلوم سوف نجد فيها الغث والسمين، وأن المسلم الحصيف هو الذي يأخذ ما يناسبه من هذه العلوم بشكل إيجابي وانسيابي ومعقول نوعيته، لتكون إضافة نوعية للعلم الإداري في العالم العربي والإسلامي، وهي سلاح ذو حدين يمكن أن يتم استخدامه على الوجه الذي نريده. وتساءل تركستاني حول:هل يمكن أن تستفيد الشركات والإدارة العليا من البرمجة اللغوية.. ولكن كيف ؟ وأجاب "أن بعض الشركات العالمية الكبرى في مجال السيارات، وكذلك البنوك وبعض شركات الجوال اعتمدت برامج معينه لتدريب مديريها على المهارات الإدارية وكيفية التعامل الإنساني مع العاملين والموظفين في شركاتهم". وضرب مثالاً: أن بعض استخدامات مفاهيم البرمجة اللغوية العصبية في مجال الإدارة، كإدارة الوقت ،وإدارة الاجتماعات، أنهما تحددان الأهداف الرئيسية هو التخطيط الاستراتيجي، بمعنى إن التحكم في الذات والتفاعل بشكل مستجد يومي سوف يساهم في تطوير الإدارة العليا والوسطى. واستدل تركستاني بإحدى الدراسات على الشبكة "العنكبوتية" بأن شركة موتورولا قامت بدراسة وجدت فيها أن كل دولار يستثمر في التدريب في المهارات اللطيفة يعود على المؤسسة بمقدار 30دولاراً . وخلص تركستاني إلى القول : لماذا لا نستخدم برامج البرمجة اللغوية العصبية في مجال الدعوة إلى الله وتغيير بعض المفاهيم لدى الناس، سواءً كان ذلك للمسلمين لتقوية إيمانهم وتعريفهم بأسرار علوم القرآن والسنة النبوية الشريفة، إضافةً إلى أن يتم ربط هذه الأسرار من خلال العلوم الجديدة التي تكشف النفس وتعرف جوانبه السلبية والايجابية على حد سواء.