يُعتبر العمل الاجتماعي التطوعي من أهمّ وأبرز الوسائل التي تُستخدم في تنمية الأفراد والمجتمعات وتطويرها والنّهوض بها وخصوصاً في عصرنا الحالي، وفي ظل الظروف الحياتية والمعيشية الصّعبة والتي تتطلب توفير المزيد من الاحتياجات الاجتماعية، ولا يخفى على الكثير منا بأن خير من يقوم بالأعمال الاجتماعية التطوعية هم فئة الشباب وذلك لتوفر العناصر اللازمة فيهم من حماس وقوة واندفاع وذلك من أجل القيام بتلك الأعمال وتأديتها على أكمل وجه، وكذلك من اجل تعزيز دورهم في النّهوض بالمجتمع في مختلف جوانبه ومن أجل غرس روح الانتماء للوطن في نفوسهم، وتنمية قُدُراتهم الفردية ومهاراتهم الشخصية، وتفريغ طاقاتهم في مصلحة الوطن وخدمة مواطنيه بأفضل الطرق والوسائل المشروعة والمتاحة. إنّ العمل التطوعي هو عبارة عن المساهمة من قبل أفراد المجتمع، سواء بالعمل أو الرأي أو المال، وذلك للقيام بنشاطٍ اجتماعي أو أخلاقي أو ديني، يخدم المجتمع الذي يعيشون فيه ويساهم في النهوض به وتقدمه وتطوره وتلبية احتياجاته، ولكن، ومن أجل نجاح هذا العمل التطوعي واستمراره، لابد من توافر عدة عوامل رئيسية يأتي في مقدّمتها: وجود وتأصّل روح المشاركة في نفسية المتطوع والتي تنبع من واقع شعوره بالمسؤولية تجاه المجتمع الذي يعيش فيه، ومن واقع اعتبارات دينية أو أخلاقية أو إنسانية يؤمن بها، ويحركها الإحساس بالانتماء للمجتمع، كذلك يجب أن يكون هناك التشجيع والتحفيز اللازمين لاستقطاب العامل المهم والرئيسي من عوامل نجاح العمل التطوعي ألا وهو العنصر البشريّ، ومن العوامل المهمة أيضاً هو توفر الدّعم المادّي والذي يساهم ويساعد وبشكلٍ كبير في تذليل الصعوبات التي قد تؤدي إلى ضعف الهمّة ورداءة الأداء وضعف النتيجة. أذكر هنا بأنني رأيت في يومٍ من الأيام، عندما كنت أقضي إجازة نهاية الأسبوع، في ساحة (التايمزسكوير) المشهورة وسط مدينة نيويورك، رأيت مجموعة من الشباب والشابات السعوديين وهم يقومون بتوزيع الورود، وقد ألصقوا بكل وردة يقومون بتوزيعها ورقةً صغيرة مكتوبٌ فيها باللغة الإنجليزية حديثٌ نبوي شريف وعبارة (محمّد، هو رسول الرّحمة، والسّلام، والمحبّة)، وقد بدت عليهم الروح السمحة، والابتسامة المعبرة، والتي تدل على سماحة الدين الإسلامي ورقي أخلاق رسوله الداعي إليه، محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الرسالة التي كان يرغب في إيصالها أولئك الشباب للجميع من خلال ذلك العمل التطوعي الشريف، ومن خلال متابعتي ومشاهدتي، لاحظت الإعجاب الشديد من قبل المتلقين لتلك الورود بالطريقة التي عبّر عنها أولئك الشباب المتطوعون، وقد عبّر جميع من شاهدهم وتلقى منهم تلك الورود عن إعجابهم وشكرهم لهم، وهؤلاء الشباب هم الذين يجب أن نفخر بهم وبأعمالهم التطوعية الشريفة والتي تبين الجانب المشرق والمشرّف لشبابنا ولأمتنا الإسلامية، ولقد أثبتوا للعالم أجمع اهتمامهم وحرصهم على القيام بالأعمال التطوعية الشريفة والتي تلمس جانباً من جوانب حياتهم واهتماماتهم المختلفة وينبغي تكريمهم والإشادة بما قاموا به وشكرهم عليه. أخيراً، أقول: ومن أجل النّهوض بمجتمعنا وشبابنا وتنمية مواهبهم وقدراتهم في جميع جوانب الحياة، فإنه يجب علينا غرس ثقافة العمل التطوعي في نفوسهم وتحفيزهم على القيام به، وتذليل جميع العقبات والصعوبات والتي قد تؤدي إلى عزوفهم عنه واستهانتهم به، والعمل وبشكلٍ منظم وبطريقةٍ جدّية على إيجاد الأماكن المخصصة والمشاريع المهيأة لاحتواء طاقاتهم وقدراتهم، والتي ترعى كل اهتماماتهم، وتعمل على توعيتهم وتعريفهم بأهمية العمل التطوعي، وتقوم أيضاً بتشجيعهم عليه ومن ثم مكافأتهم وشكرهم وتكريمهم على ما يقومون به، وذلك من أجل تنمية روح الانتماء للوطن والمجتمع والرقي به إلى أعلى المستويات المأمولة والمرجوّة.