هذه كلمات أحببت أن أقولها لك في يوم زواجك أبدأ بحمدالله على ما هدى وأعطى ورزق، وأوصيك بالتقوى، تلك الكلمة الموجزة في اللفظ العظيمة في المضمون. أقولها لا لتمررها على مسمعك بل لكي تفي بمعناها وتطبق محتواها وتسمو أنت بها لأنها سامية، خوفا من الله، فيكون الرقيب عليك ذاتك خشية وطاعة لله ولرسوله، لتتحقق لك الكرامة والتكريم: إن أكرمكم عند الله أتقاكم، فهي زادك الذي لا تحتاج بعده إلى زاد، ولباسك الذي يسترك وقوام حياتك في الدارين الدنيا والآخرة. يا بني إن زواجك بقدر ما أسعدك فإنه قد أدخل السرور والبهجة والسعادة على نفسي وعلى نفس والدتك وأخوتك، ذلك لأنه يعني توجه استثمارك في الاتجاه الصحيح والصواب في بناء أسرة جديدة، ترسم لها منذ البداية طريق التقوى والهداية والحياة الكريمة، مستعينا بالله في مسيرتك. لقد عشت طفلا ثم كبرت فصرت شابا يجتذبك الطموح وتأمل أن يكون مستقبلك مشرقاً وتعقد آمالًا كبيرة تنظر إليها وتنتظرها في قادم الأيام، ولهذا استجمع ما تعلمته وتربيت عليه في منزل طفولتك من الاستعانة بالله دوما واللجوء إليه، وأن التوفيق بيده لا بالحيل ولا بالجهود البشرية ولا بقوة غير قوة الله وتوفيقه فالخلق أعجز أن ينفعوا أنفسهم فضلا عن نفع غيرهم. تربيت يا بني على معرفة الاتجاه الصحيح في حياتك بعيدا عن الغموض والتشتت، دون قهر أو أمر، ودون صد أو رد، عرفت في تعليمك وتربيتك أن لكل فرد حقوقا وعليه واجبات، فاحرص على تأدية واجباتك حرصك على تحصيل حقوقك، ولا تظن بأن من سن الحقوق والواجبات هم الناس فيمكنك خداعهم، ولكنه رب الناس الذي سوف يحاسب كل على نتائج عمله. تلتقي في زواجك وتكوين أسرتك الجديدة بنصفك الآخر، الذي أملت أن يكون فيه تكاملك، وشريكة حياتك التي هي رفيقة دربك، فلعلها تكون خف عليك وعون لك ومسرة ومصدر سعادة، وهذا الأمل منك فيها هو نفسه أمل شريكة حياتك فيك فلا تخيب ظنها ولا تحطم أملها، هي تريد ما تريده وتنتظر ما تنتظره منها، فلا تحملك الأنانية على أن تهتم بحقوقك فقط متناسيا ما لها من حق عليك. واعلم أن الذي فرض عليك الحقوق وأعطاك الواجبات يرقب تأدية الأمانة ويحاسبك عليها ويجزيك على الوفاء بها خير الجزاء فاطمع في كرمه. لك أهل فلا تقطعهم ولا تنس فضلهم في تربيتك و حقوقهم عليك، كما أن لها أهل كذلك لا تعتقد أنها مفصولة عنهم أو يتعارض مالهم عليها مع ما جد في حياتها تجاهك ولكن حق أهلها عليها متمكن في ذكرياتها ونشأتها وجذور طفولتها حتى صار ممتزجا بروحها فلا تغفل عن هذه الجوانب الروحية لها ولا تحملك الغيرة من تعلقها هذا على فرض وجودك في حياتها بالقسوة بل كن لها امتدادا للحنين والعطف والرحمة، فقد جعل الله بينكما مودة ورحمة هبة من الله للناس وهذه من الآيات العظام فارع تلك المودة والرحمة حق رعايتها. إن الحياة تتجدد وتبقى الجذور كما هي تروي الأغصان النامية الجديدة وتزيد في نمو العلاقات، ولو قطعنا الجذور يبست الشجرة التي تأمل أن تثمر برا وصلة. إن الرجولة يا ولدي تكمن في التقوى والرحمة والمودة وطيب المعشر، ونكران الذات والتضحية، ولا تكون مطلقا في الصراخ والغضب والتسلط والأنانية، ولا في العبوس وتصعير الخد والجفاف والجفاء، لهذا كن رجلا، تتغافل عن الزلة العارضة وتتناسى الهفوة العابرة، واعلم أن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فما بدا لك من هفوات البشر فهو متوقع أن يكون فنحن لا نعيش في مجتمع ملائكي، فلا تكون عينك مجهرية وكما تحب منها تصرف تجاهها. إنك إن حاسبت ودققت حوسبت بدقة وهلكت وأهلكت، وكسرت ما أردت إصلاح اعوجاجه، والعفو والمغفرة من صفات الله العلا وحق علينا أن نصفح ونتجاوز ما وسعنا ذلك فنحن أفقر إلى هذا السلوك، والله يجازي بالإحسان إحسانا. واعلم أن لكل أسرة من الناس تربية تعودوا عليها، فالخلائق لا تشرب من كأس واحدة، فكأس قراح وكأس أجاج وآخر وسط، فمن رغب في القراح العذب سلك مسلكه وشرب منه طيلة حياته، ووسيلته في ذلك لين الجانب، والصمت عن فضول الكلام، وقلة النقاشات فيما فات وما يورث الشحناء والنعرات، وعدم إيقاظ ما يستفز النفوس المريضة أو المشحونة أو صاحب اللجاجة بلا فائدة ولا حاجة. واعلم أن تجنب الغضب من محاسن الأدب وكماله موصل للمقاصد والأرب، ولكن ذلك لا يتأتى إلا بتجنب مسببات الغضب من الأساس قبل أن تقع الفأس في الرأس، لأن الغضب انفعال لا يقوى على الانفكاك منه أحد إذا نشب فيه وتلبسه وأعمى بصيرته، ولكن تجنب مسبباته ابتداء ممكن وهو وصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن نتجنب الغضب من خلال البعد عن مسبباته، فكما نبتعد عن حر الشمس قبل الإصابة بضربتها ونلجأ إلى الظل فمثل ذلك يتم في غيره والغضب أولها. واعلم أن زوجتك رفيقتك وأم ولدك ومربيته وقدوته فإن أهينت وذلت أمامك من جفوة وصلف فيك وتسلط أثر ذلك في دينك ودنياك ونشأ أولادك تحت رعاية ذليلة منكسرة محبطة، فمنهج الأم في التربية أساس وموقف ومكانة، فاحرص على أن ترفع من قدرها يرتفع قدرك ويعز ولدك. وإذا أخطأت فسارع إلى الاعتذار وإصلاح الخطأ فإن ذلك من الدين والعدل والشيم والصفات الكريمة النبيلة ولا يقدح في الرجولة، ولا يورث المهانة ولا يسقط الهيبة بل يرفع من المكانة، واتبع منهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كل أمور حياتك ولا تكون العادات والتقاليد وما ورثة آباؤك وأجدادك هو ما يسيرك ومنهجك وقدوتك فإنما أهلك بعض من فعل ذلك قولهم أنهم وجدوا آباءهم على أمة وأنهم على آثارهم مقتدون - فتبعوه غير مبصرين، ولم يكن لهم في رسول الله أسوة حسنة، فوكلوا إلى عاداتهم وتردت بهم خطواتهم وتعثرت أقدامهم وضلوا وأضلوا. لا تكن عسر الطبع لا تصاد لك نفس ولا يعرف لك غاية ولا يفهم مرادك ولا يهنأ من يعاشرك ويعايشك، فإنك أعلم بنفسك من غيرك ولكن من حولك لا يعلمون غيبك وغايتك حتى تبديها فكن صريحا واضحا يعرف أهلك مرادك، واطلب من شريكة حياتك ذلك ولا تتغافل عن مشكلة تتكرر وأنت تتألم و تتصبر فإن ذلك مرض ينخر في بيت الزوجية ويقوض الحياة الهنية، ولكن التغافل المحمود هو في أمر زل ولا يكون له عودة ولا تكرار. واعرف أنك نشأت في أسرة لها طباعها وهي كذلك وقد تجد فيك ما تأمله وتطمع فيه أو أكثر وأنت قد تجد فيها ما ترجوه وأبعد فاجعل للتفاؤل جل نظرتك ولإشراقة النظرة مداها البعيد، وتوقع الأفضل دوما والنور حتى في أحلك أوقات الظلام، وخير عبادة هي انتظار الفرج من الله. احرص على أمر مهم هو العلاقات الطيبة واعرف أن زوجتك لها قرابة تحترمهم وتقدرهم وتعزهم، نبتت ونمت من دمهم ولحمهم، فلا تنتقدهم ولا تذكرهم إلا بخير فإن هذا من كمال المروءة فقد سلموك أغلى ما عندهم و فلذة كبدهم وعضو عزيز عليهم فاكتسبت أنت المعزة عندهم من هذه التي معك وعلاقتك بها، فعلمها وتعلم منها كيف تتبادلان احترام أهلكم والآخرين من الأقارب والجيران. بني: إنكما تلتقيان في بيت واحد سيكون له نظامه وطباعه التي هي مزيج مما أنت عليه وما هي عليه، فاحرصا على أن يكون بيتا تسوده المحبة وانسجا له من خيوط التلاقي والاتفاق ما يظلل عليكما ويصد عنكما عواصف الاختلاف والتنافر، ولا تفتحوا النوافذ للمتطفلين عليكم مهما كانت قرابته منكم ولا للشائعات مجال للنفاذ. عندما تقرأ في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تعرف أنه وهو أشرف الخلق وأكرمهم يكون في مهنة أهله وفي خدمتهم حتى إذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة كأنه لا يعرفهم، فاجعل لأهل بيتك حقه الوافي منك، فتلك عبادة ولكن الصلاة تعلو عليها في الأفضلية فاستجب للنداء وأجبه دون تراخٍ، لا تترفع عن عمل أهل بيتك وخدمتهم بعد أن علمناه وطبقها نبينا محمد، وكن للتواضع واليسر وبسط الوجه أقرب وللجفاء والكبرياء والتعالي ابعد ما يكون، فإنك ما دنوت من البساطة والتواضع إلا وارتفعت عند من تتعامل معهم، وأحق بسلوكك الحسن هم أهلك وأهل بيتك فلا خير في شجرة ظلها لا ينفعها ولا يحمي ساقها وثمارها ومن يستظل بظلها. وأعلم يا بني أن المال شبيه بأوراق الأشجار، ينمو ويتساقط، فتكتسي الشجرة حتى نظن أنها لا تعرى، ثم تعرى من أوراقها حتى نظنها ماتت ولن تكتسي، وهكذا الناس يغتنون ويفتقرون ويبخلون ويبذلون ويقترون ويسرفون، فليكن أسلوبك مع المال الاعتدال كما أمرنا ربنا، فلا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط، واعلم أنك إن اسرفت وبذرت عضتك الحاجة بنابها فتألمت وتحسرت ولمت نفسك في وقت لا يفيد اللوم والندم، وإن بخلت وقترت على بيتك ونفسك لم تجعل المال في المكانة الصحيحة وكنت له خازناً عليك اثمه ولغيرك نفعه. وأختم بما بدأت به وصيتي لك، عليك بالتقوى فاجعلها لباسك وقوام حياتك، فمهما نهلت من معانيها فلن تحيط بما فيها من خير يوصل لكل نعيم، والسلام..