تحظى المملكة العربية السعودية بمكانة عالية وسمعة واسعة عند كل الدول، العربية والأجنبية، لما تحمله هذه الارض الطاهرة من قدسية ورمزية لدى العرب والمسلمين في كل مكان، وما تُمثله من ثقل سياسي واقتصادي لدى أغلبية الدول العالمية، فضلاً عن الدول الكبرى. ومنذ أن رسّخت السعودية اسمها كواحدة من أهم الدول العربية والإسلامية، والتي تضطلع بالكثير من الادوار والوظائف والمواقف الكبرى التي سجلتها خلال مسيرتها، منذ ذلك الوقت والمملكة ترسم سياساتها الخارجية، وأنشطتها الدبلوماسية وفق مصالحها الوطنية، وطبيعة العلاقات التي تربطها بالكتل الدولية والدول المختلفة. تلك هي الصورة العامة للمملكة العربية السعودية لدى المجتمع الدولي الذي يُثمن مكانة هذا الوطن الكبير الذي تأسس في عام 1932م. ومنذ ذلك الوقت، وحتى وقتنا الراهن، تعرضت السعودية للكثير من التحديات، إلا انها كانت تخرج منها أكثر قوة وأشد صلابة، وذلك نتيجة التزامها بسياسة واضحة وثابتة، غلّبت فيها مصلحتها الوطنية على كل المصالح والالتزامات، مع الاخذ بالاعتبار طبعاً، تداعيات وارتدادات الظروف الاقليمية والدولية. تلك مقدمة بسيطة، للوصول إلى الهدف من هذا المقال، وهو الكتابة عن "البيت السعودي المفتوح" في الخارج، وأقصد هنا، سفاراتنا السعودية المنتشرة في كل دول العالم تقريباً. وتُمثل السفارة السعودية في أي بلد، سواء أكان عربياً أم أجنبياً، البوابة الكبرى لوطننا العزيز الذي نفخر به، ونُريد له أن يكون في طليعة الدول المتقدمة والمتحضرة. وكما هو معلوم، فإن السفارة تلعب دوراً مهماً وحساساً في توثيق علاقاتنا المختلفة مع الدول التي تربطنا بها مصالح وعلاقات وتحالفات، إضافة إلى الوظيفة الاساسية التي من أجلها أنشئت السفارات الوطنية، وهي رعاية السعوديين المتواجدين في كل بقاع العالم تقريباً، سواء بقصد السياحة أو الدراسة أو التجارة. بصراحة شديدة، لا أعرف ماهية المعايير والضوابط والشروط التي يتم من خلالها اختيار طواقم وكوادر السفارات والملحقيات في الخارج، ولكنني أدرك جيداً ضرورة أن تكون تلك البيوت السعودية الخارجية ممثلة أمينة وذكية ودقيقة لطبيعة وقيمة ومكانة هذا الوطن الغني، مادياً وبشرياً، والذي يحسده القاصي والداني، والذي تُرصد سكناته قبل حركاته. أسافر كثيراً، كغيري من أبناء هذا الوطن الذين يعشقون السفر والترحال إلى بلاد الله الواسعة، شرقاً وغرباً. في السابق، لم أكن أهتم كثيراً بمراجعة سفارات المملكة، رغم كل التوصيات والتوجيهات التي تحث على الاتصال بسفاراتنا في الخارج لتسجيل جواز السفر، أو الوقوف على بعض النصائح والإرشادات والتحذيرات التي يحتاجها المسافر. بصراحة شديدة، ولأكثر من عقدين تقريباً، لم تطأ قدمي أياً من سفاراتنا، لأنني لا أملك خطة متكاملة وضرورية ودقيقة لرحلاتي وزياراتي، وأهمها إخبار السفارة بتواجدي في أي بلد أزوره، بل كنت أترك الامور هكذا، بلا تخطيط أو اهتمام أو حذر، وبفضل من الله ورعايته، لم يحدث لي أي مكروه. ولكن، منذ أن دخلت عالم الصحافة، محرراً ثم كاتباً صحفياً، أحرص قدر الإمكان على المرور والاتصال بتلك البوابات السعودية المفتوحة في كل بلد أزوره. وخلال عقدين من الزمن، أحمل في ذاكرتي الكثير من الصور والتجارب والمواقف التي لمستها عن قرب في تلك السفارات والملحقيات السعودية، وهي - أي تلك الصور والتجارب - في أغلبها جيدة، ولكي أكون أكثر صدقاً ووضوحاً وإنصافاً، أسجل حقيقة لا مبالغة فيها، وهي أن معظم سفاراتنا السعودية تقوم بواجباتها الاساسية في توطيد علاقاتنا بالدول، ولكن قبل كل ذلك، فهي تبذل أقصى الجهد والأمانة والإخلاص من أجل الرعاية والاهتمام والمساعدة للمواطن السعودي، مهما كان هذا المواطن، دون النظر لأي اعتبارات أخرى، مع الاخذ بالاعتبار طبعاً، ضرورة مراعاة بعض الالتزامات والواجبات تجاه الوفود والشخصيات الرسمية. أحاول هنا، أن أضع بعض الملاحظات والاقتراحات والانتقادات، والتي أجدها جديرة بالاهتمام والدراسة من قبل وزارة الخارجية، وهي المرجعية الخاصة لهذه السفارات والملحقيات، وكذلك من قبل موظفي السفارات، وبالطبع من قبل المواطنين السعوديين، أفراداً وأسراً. كل ذلك، من أجل أن تكون الصورة التي تعكسها تلك البيوت في الخارج مشرقة ورائعة وجميلة، إضافة لتحقيق الاستفادة القصوى لخدمات هذه السفارات، وحتى لا تقع بعض الحوادث والمواقف المؤسفة لا سمح الله، خاصة في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي تجتاح العالم، كل العالم، بحيث لم يعد أي بلد، مهما كانت نسبة استقراره، وقوة نظامه بمنأى عن الحوادث والمشكلات والصعوبات، بل والأزمات والاحتقانات. نحن بحاجة إلى سفارات مفتوحة أمام كل مواطن سعودي ينشد العون والمساعدة والرعاية، فضلاً عن الشعور بالأمان والإحساس بالراحة بوجود هذا البيت المفتوح للجميع. نحن بحاجة لان يُخفف الكثير من الرسميات والتعقيدات والبروتوكولات؛ لأن ذلك سيُشجع الكل على التواصل مع سفاراتنا بالخارج أيضاً. سفاراتنا الوطنية لابد أن تتلمس مطالب وحاجيات المسافر السعودي، وذلك عبر تنفيذ العديد من الفعاليات والمناشط التي تجعل من السفارة أشبه بمنارة يقصدها كل مواطن، بل وغير سعودي. يجب أن تقوم سفاراتنا السعودية باستحداث اقسام خاصة لعمل برامج وإرشادات سياحية لكل من يرغب من المواطنين والأسر السعودية، لتقطع الطريق على كل من يحاول استغلالهم أو خداعهم. كما أتمنى أن تتاح الفرصة للفتاة السعودية للعمل في بعض الوظائف في سفاراتنا، مع الاحتفاظ طبعاً بثوابتنا وعاداتنا وتقاليدنا، لأن وجود المرأة ضرورة ملحة لمساعدة العائلات، وكذلك المبتعثات في كل بقاع العالم. أيضاً بكل أسف، لا تتمتع المباني التي تقع عليها سفاراتنا بالخارج بأي شخصية معمارية وطنية تعكس الوجه الحضاري والتاريخي والثقافي للسعودية، أما بخصوص الموظفين بالسفارة، فلابد أن يتحلوا ببعض الصفات التي تتناسب وطبيعة عمل هذه السفارات التي تتعامل مع نوعيات وسلوكيات مختلفة من المواطنين، وتتعرض كذلك للكثير من المواقف والأحداث والمشكلات التي تتطلب حكمة وخبرة وحسن تصرف لدى موظفي السفارات الوطنية. ومن جانبه أيضاً، يتحمل المواطن المسؤولية الكاملة كسفير لهذا الوطن الذي تُكثف عليه الاضواء والأخبار، وترصده العيون والدوائر والمؤسسات، هنا وهناك، لذا فعلى المواطن السعودي، مهما كان مستواه ووضعه، أن يتحلى بالحد الادنى من الأخلاق الحميدة، ويُراعي الكثير من الاعتبارات في تصرفاته وتحركاته، لأنه صورة وصدى لواقع وحقيقة وطنه. المواطن السعودي في أي مكان، لابد أن يتواصل مع سفارة بلده، ليتعرف من أبناء وطنه - موظفي السفارة - على طبيعة وقوانين وأنظمة تلك البلدان. عدت للتو من زيارة سريعة لبيروت، عاصمة الحب والجمال والفرح والفن والموضة والأناقة واللباقة، وبدعوة كريمة من الانسان الرائع علي آل عواض عسيري، سفيرنا الجميل في لبنان الشقيق، زرت بيتنا السعودي في بيروت، وسعدت بالأجواء السعودية الرائعة التي تتمتع بها هذه السفارة الجميلة، وبالحفاوة الكريمة التي أحاطني بها هذا السفير الرائع، وتلك عادة أثيرة لدى سفارتنا بلبنان، ولكل الزوار السعوديين، ولغير السعوديين. سفارتنا في لبنان، قطعة جميلة من وطني الجميل، رغم بعض التفاصيل اللبنانية المحببة، إلا انها تُشبهنا حد التطابق. هذا، ما لمسته شخصياً، وسمعته من كل من زار هذا البيت السعودي الجميل. تحدثت طويلاً مع هذا االنموذج المتميز، فوجدته غاية في الطيبة وحسن الخلق، ويتمتع بثقافة عالية وذكاء حاد، يُدرك القيمة الكبيرة التي يتمتع بها هذا الوطن الجميل لدى دول العالم، لاسيما الدول العربية، ولبنان تحديداً، إضافة إلى فهمه الشديد لخطورة الدور الذي يلعبه السفير كممثل رسمي لبلد، بحجم ومكانة ورمزية المملكة العربية السعودية. أنا هنا، لست بصدد تسطير بعض حروف المدح والثناء والإطراء لسفيرنا وسفارتنا في لبنان، رغم انهما يستحقان كل ذلك وأكثر. لا، أنا لا أريد ذلك، ولا ينبغي لأحد أن يفعل ذلك، لاأن ما تقوم به السفارة هو الواجب الذي كُلفت به، ولكنني أحببت أن أسجل إعجابي وفخري ببيتنا السعودي في لبنان، ولأحرّض كل سفاراتنا الوطنية المنتشرة في كل بقاع العالم على تحمل مسؤوليتها الكاملة لخدمة مصالح الوطن، ورعاية المواطن السعودي، مهما كان هذا المواطن..