يعتقد بعض الأهالي أن أبناءهم في سن المراهقة متمردون بطبيعتهم، ولا يمكن أن يتصرفوا بطريقة ملائمة، كما لا يمكن أن يكونوا عند حسن الظن بهم، ومن المستحيل التعامل والعيش معهم إلاّ بحزم وشدة للسيطرة التامة عليهم، ولا يتم ذلك الأمر إلاّ من خلال "توزيع أوامر" و"رفع صوت" و"مد يد"، إضافة إلى إجبار الابن على اختيار أصدقاء معينين وطريقة اختيار ملابس وقصة شعر، وقد تصل أحياناً إلى التخصص الدراسي، وربما أبعد من ذلك دون وجود ضوابط وحدود لسلوكيات المراهقين وأهاليهم. تكوين شخصية وألقى الشاب "راكان خالد" -18 عاماً- باللائمة على عدم تفهم أهله لرغباته، مبرراً ذلك إلى فجوة الأجيال بين المراهق وأسرته من حيث طريقة التفكير والتعامل مع المواقف، مبيناً أن هناك صراعاً دائماً يدور بينه وبين والديه حول حرية اختيار أصدقائه وطريقة صرف النقود أو المصروف ومواعيد الرجوع إلى المنزل وطريقة اختيار الملابس وقص الشعر وأمور كثيرة، مشيراً إلى أن والديه يهمشون استقلاليته بشخصيته، على الرغم من محاولاته في مناقشة آرائهم تجاه ما يميل إليه من أنشطة وممارسات، بيد أنهما لا يتفهمان رغباته بسبب وجود تباعد فكري بينهم. سيطرة على الأبناء وتشتكي "أم فهد المطرود" -ربة منزل- من تدّخل زوجها بشكل غير مقصود في اختيار تخصصات أبنائها العلمية، مما تسبب في إحداث شرخ واضطراب في شخصياتهم؛ نتيجة قمع حرياتهم في اختيار أمر مصيري يترتب عليه ممارسته لعمل لا يحبه طوال حياته، مثل ما حصل مع ابنها "فهد" الذي درس تخصص القانون التجاري دون رغبته، ويعمل الآن مستشاراً قانونياً في أحد المستشفيات الخاصة، ولكنه دائماً ما يشكي لها أنه يشعر بالفشل وعدم التكيّف في مجال عمله، ويفضل المجال المالي، ولكن لفرض والده قرارات كثيرة من ضمنها تخصصه الدراسي حرمه من أفضل حلم أراد تحقيقه. وقالت إن زوجها أنّبه ضميره تجاه تصرفه، ولكنه لم يغيّر طبعه، ويرفض الاستماع لرغبات أبنائه أصلاً؛ لأنه مقتنع بوجوب فرض سيطرته على كثير من نواحي حياتهم. مفاهيم خاطئة وأكد "د.خالد بن سعود الحليبي" - مدير مركز التنمية الأسرية بالأحساء - على أن من أبرز خصائص النمو لدى المراهق رغبته الجامحة في الاستقلال، وقد يصرح بذلك بقوله "صرت رجال.. أنا كبرت لا أسمح لأحد أن يتحكم فيني".. وحين يتلقى ذلك الوالدان بالصراخ والرفض وربما أكثر من ذلك يشعر المراهق أنه دخل صراعاً قد يعوقه دون الانتصار فيه برّه بوالديه أو عدم القدرة على إجبارهما الاستماع إليه؛ ليتفهماه كما هو ويصلا معه إلى ما يريد بطريقة مأمونة، حتى يصبح لديه شعور عميق بالميل إلى العزلة النفسية، التي تجعل منه موجوداً وغير موجود، وتكون عادة بسبب الضغوط التي يعاني منها من أقرب الناس إليه، حين يشعر أنه متابع من نظراتهم وطريقة السؤال عنه، وأساليب ملاحقته التي يظهر فيها عدم الثقة فيه، ويصل الأمر إلى محاولة السيطرة عليه، وطمس معالم شخصيته تماماً. وقال: إن الخطأ يبدأ من عدة مفاهيم غير صحيحة أولها عدم التفريق بين مرحلتي الطفولة والمراهقة، وثانيها تذكر حق الوالد على الولد، وتجاهل حق الولد على الوالد، وثالثها فهم التربية على أنها مجرد توجيهات وخطب رنانة تتلى على أذني الولد كل يوم رابعها النظرة لمرحلة المراهقة على أنها مرحلة صراع وتمرد ونزق وإنحراف، وخامسها الحكم على المراهق على أنه لا خير فيه يرجى، مبيناً أن تصحيح هذه المفاهيم هو الطريق الأسلم لمراهقة آمنة ومنتجة، فالولد الذي تجاوز مرحلة الطفولة التي كان فيها لا تعلل له الأوامر ويتأمر لم يعد يقبل ذلك في مرحلة المراهقة، بل يرى أن من حقه أن يعرف السبب قبل الفعل، وإذا طلب مثل هذا الحق عددناه عنيداً، والولد الذي كان يتبع والده في طفولته صار يبحث عن من يتبعه، طلباً لزعامة شبابية أو رغبة في تحقيق الذات بطريقة قيادية. وأضاف: "سألت الآباء في استفتاء خاص، عن ما قدموه إلى أولادهم في سن المراهقة، فكانت معظم الإجابات متعلقة بحاجات مادية و"فسيلوجية"، وحين سأل الشباب عن ماذا يحتاجون من آباؤكم؟، فكانت غالبية إجاباتهم أنهم يحتاجون إلى القرب منهم بشكل أكبر، واحتوائهم لتطلعاتهم، ومشاركتهم في اهتماماتهم، وفي الوقت نفسه يتاح لهم أن يصنعوا مستقبلهم باختياراتهم". بستان خصب وشدّد "د.الحليبي" على أن من يريد أن يُربّي قائداً فإنه سيحترمه ويستشيره ويُقدّره أمام الآخرين ويعطيه الفرصة ليتحمل بعض المسؤوليات، ويبتكر له الفرص ليشعره برجولته ويعطيه الثقة الكاملة، ومن يريد أن يُربّي تابعاً مُحطّم الشخصية، ومُمزّق النفسية فعليه أن يُهين ولده، ويحرمه من حق اختيار رغباته، حتى ملابسه فضلًاً عن تخصصه وزوجته، مشدداً على إن حق البر والطاعة للوالدين لا تعني السيطرة الكاملة على شخصية الابن، ولذلك فإن من حق الولد أن يتحاور مع والده في شأن علاقته به، ويلتمس منه أن يصنع منه إنساناً حراً كريماً، لا إنساناً خانعاً يسمع كل يوم ألف لا، ومئة شتيمة!، وقد يعتدى على كرامته بالضرب!، لافتاً أن مرحلة المراهقة بستان خصب، يمكن حرثه بعناية فائقة، وزراعته بمهارة عالية، وسقيه وتعهده بمهنية وحرفية؛ ليؤتي ثمراته اليانعة، حيث أن الكلمة الطيبة الجميلة تقود المراهق دائماً إلى التفاؤل والإنتاج والاستجابة الحسنة.