في نهاية المطاف لم تكن ثورة الحيوان الغاضب الذي يزن نصف طن هي التي قضت على مصارع الثيران البريطاني الوحيد في إسبانيا، ولا حتى عمره. فبعد عشرات السنين من العيش كمفارقة ثقافية بحثاً عن الاحترام ومئات المعارك مع حيوانات ذات قرون، رضخ فرانك ايفانز( 62سنة) لمشيئة ركبته المريضة. ولا يتردد إيفانز، ابن الجزار القادم من مانشستر الذي يحمل لقب الإنكليزي- عن الاعتراف أنه لم يبلغ أبدا مستوى البطولية ولم يصارع في الحلبات الرئيسية في مدريد وإشبيليا، أقدس مراتع مصارعي الثيران. في الحقيقة فشلت محاولة إيفانز الأولى لخوض غمار الرياضة الوطنية الإسبانية فشلاً «ذريعاً» في الستينات. ولاحقاً مر بمراحل جفاف طويلة لم يخض فيها سوى حفلات مصارعة ثانوية، بل واضطر إلى اشتراك المراهقين في دفع فواتيره مع اقترابه من سن الخمسين. ولسوء الحظ إنه بدأ يتألق في مرحلة الكبر من حياته. ومع ذلك، إيفانز هو البريطاني الوحيد الذي وصل إلى المرتبة العليا لهذه المهنة، مرتبة ال «ماتادور» الذين يقتلون الثيران من وزن قد يصل إلى 1,200 كيلو غرام، بخلاف المبتدئين الذين يصارعون العجول الفتية الأخف وزناً، أو فقط يطعنون الحيوان بسيوف ويتركونه لينزف ويوهن قبل أن يدخل الأستاذ الكبير إلى الحلبة ليسدد له الطعنة القاتلة. وإيفانز اليوم يهجر الحلبة وهو يصرخ ويرفس ويلعن... فعلاً إنه يلعن العطل الذي أصاب ركبته عندما كان يلعب« الرغبي قديماً»، وقد أخذ الألم يعاوده ويقض مضاجعه ويرغمه على الإقلال من معاركه في حلبة المصارعة التي ينزل إليها بساق مليئة بالكورتيزون. وبعد الموسم الحالي الذي هو آخر موسم له سيجري عملية جراحية في الركبة ثم يعلق قبعته وسيفه على الشماعة. إلا أن إيفانز يجد صعوبة في لفظ كلمة «تقاعد»، إذا نجحت العملية لا يعرف ما إذا سيصمد أمام إغراء العودة إلى ميدان المصارعة. ويقول خوان بلمونتي، الناقد التلفزيوني لمصارعة الثيران على قناة سور في إشبيليا أن عدد ممارسي هذه الرياضة القديمة من بلدان أجنبية لا يوجد فيها تقليد المصارعة ضئيل جداً ربما واحد من كل ألف مصارع في إسبانيا. إلا إن بعضهم قد حققوا الشهرة لأنفسهم عبر السنوات. فسيدني فرانكلين اشتهر بلقب« الماتادور اليهودي» من بروكلين. ولاحقاً جاء أمريكي آخر اسمه جون فولتون الذي يصارع في حلبة لاس فينتاس في مدريد، وقد اشتهر بأنه كان يستجيب لطلبات معجبيه بأن يرسم لوحات بدم الثيران التي يقتلها. ومن اليابان جاء ياسوهيرو شيموياما الذي سمى نفسه« ابن الشمس الساطعة» وقد نطحه الثور وسبب له شللاً جزئياً في العام 1995. وإن ننسى لا ننسى منصور سعيد، الفلسطيني المولود في حيفا والملقب إل «بالستينيو»، أي «الفلسطيني». ويقول إيفانز إن البريطانيين ساعدوا على اكتساب جاذبية شيء جديد وإنه لم يكن سيكتسبها لو كان إسبانياً إلا أنه سعى جاداً ليكون مصارعاً مرموقاً ولمجرد أن يكسب قوته، حتى في أفضل سنواته. وكان فولتون الذي توفي لأسباب طبيعية سنة 1998 يشتكي أن كونه أميركياً حرمه من النجومية المباشرة، حسب بيل ليون الكاتب الأميركي وناقد مصارعة الثيران الذي يقيم في إسبانيا منذ الستينات. ولكن ليون يقول انه يمكن القول جدلاً ان فولتون لم يصارع بالمقدار الذي صارع إلا لكونه حالة مثيرة للفضول. إلا أن بلمونتي يرفض ذلك ويصر على أن عالم مصارعة الثيران الإسباني لا يهمه الهوية والجنس- فثمة عدد من النساء حققن شهرة متواضعة في مجال مصارعة الثيران -«وإذا كنت جيداً فإن الجمهور سيصفق لك». ويصف بلمونتي إيفانز بأنه أحد هؤلاء المصارعين العاديين. إلا أن خوان ميغل نونيز كاتب شؤون مصارعة الثيران في وكالة الأنباء الوطنية الإسبانية افي، يمتدح شجاعة البريطاني وحب الظهور قائلاً ان ذلك ثنائي في الخصال يصعب التعامل به في مصارعة الثيران. سبب بروز إيفانز بين صفوف المصارعين لا يعود إلى جنسيته البريطانية بل لبقائه في الحلبة حتى سن الثانية والستين. فمعظم المصارعين يتقاعدون في أواسط خمسينات عمرهم، والأكثر نشاطاً هم الذين لا يزالون في عشرينات أو ثلاثينات العمر. ومستذكراً الماضي يقول إيفانز إنه يعتز بكل دقيقة من مراحل عمله كمصارع، وهو يتكلم بصراحة عن حالات فشله، قائلاً إنه كان يتمنى على الدوام بلوغ المستوى الذي يتيح له ممارسة المصارعة في مدريد، مضيفاً : لا أعتقد أنني أستطيع أن أحس ذلك، ولكنني لم أصل أبداً إلى تلك المرحلة... ثم تصبح أكبر عمراً قليلاً والثيران تصبح أكبر حجماً. ومن ألقابه التكريمية إنه البريطاني الوحيد الذي صارع الثيران في فرنسا وفنزويلا والمكسيك. ويقول إيفانز هناك الكثير من الأشياء الجيدة في الخلفية. إلا إنني مستعد للتخلي عن كل ذلك إذا استطعت أن استمر في المصارعة.