لبنان هو صانع أزماته المختلفة، دمرته الحروب الطائفية والتدخلات الأجنبية، وسريعاً ما يلعق جراحه، ويعيد بناء ما دمروه، ورغم ثقافة المواطن اللبناني وتمرسه السياسي والتجاري وخبراته التي كسبها من المهاجر، إلا أن الطائفية ظلت هي من يخلق الصدامات والمشكلات التي لا تنتهي.. نجيب ميقاتي الذي جاء ليكون رئيس وزراء توافقياً، غرق ما بين المعارضة الداخلية، والأزمة السورية التي فجرت الهزة الأمنية عندما تشابكت في أعمال عسكرية الطائفة العلوية مع الطائفة السنّية، وكما هو معروف إذا عطست سورية أصيب لبنان بالزكام، وعقد العلاقة غير الثابتة، كلّف البلدين العديد من القضايا الساخنة، وأشدها حالات التوتر الأمني.. فالقتل للرموز الوطنية أو غيرها صار جزءاً من السيطرة على السلطة، وبلد يعج بالمليشيات والتسلح، وبروز التدخلات الإقليمية والعربية، أدت إلى أن يستقر لبنان بهدنة متفق عليها، ولكن سرعان ما يغرق في قضاياه وتنافر أحزابه وقياداته.. فالحكومة لا تستطيع ممارسة سلطاتها بشكل مقنع، وحتى الحصص في مجلس النواب التي قسمت بشكل رفضه المسيحيون ليأتي لصالح المسلمين وحزب جنبلاط اعتبر إقصاءً متعمداً لقسم مهم من المسيحيين، ولكن حزب الله في كل ما يجري، هو من يخطط ويضع أهداف الطائفة فوق الاعتبارات الوطنية بما فيها صفقة سلام بين الخصوم.. ميشال سليمان رئيس الجمهورية شخصية تلتقي حولها التشكيلات الحزبية والطائفية، ولكنه بمفرده، ودون مساعدة من حكومة مستقرة، لا يستطيع أن يصنع المعجزات في بلد تعوّد على الفوضى الدائمة، وبوجود حالة الحرب في سورية، يعلم أن حكومة دمشق هي من يحرك الأزمات، وتصعيدها.. فطائفتها العلوية، إلى جانب حزب الله وجماعة عون ضد السنّة المؤيدين لإخوتهم في الداخل السوري الذين يتعرضون للقتل والمهانة، وهيمنة الأقلية على الأكثرية، ومخاوف الأسد من بروز جماعات أو تيار يؤيد المعارضة ويدعم الجيش الحر، تشكّل الصورة أو الكابوس عليه، وطالما الأوراق اللبنانية مكشوفة للجميع ومصدر للتدخلات، فمهمة تفجيره هدف استراتيجي لتخفيف الضغط على حكومة دمشق، حتى إن دخول حزب الله الحرب علناً حرك دولاب الطائفة، ما يعني أن استقالة رئيس الوزراء تأتي ضمن مخطط متعدد الأضلاع بين سورية، وحزب الله وإيران، ويأتي التخوف من انفجار الوضع ليكون هاجس كل اللبنانيين الذين يدركون هشاشة وضعهم السياسي والأمني.. الأيام القادمة ستفحص مدى قوة الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية، والظروف الراهنة لا تساعد على بناء ثقة بين الخصوم، فحتى الجيش يظل في مدار اللعبة وسهولة تقسيمه واردة لأنه تجميع من عدة طوائف ما يجعل انتماء أعضائه لتلك الأحزاب وليس للوطن الذي يشمل الجميع.. هناك دول تشعر بأن أزمة لبنان مستعصية، وقد تؤثر الحياد وعدم التدخل رغم حاجة بعض الفصائل لها، ولعل تجربة آخر الحروب أعطت بعداً بأن بيئة لا تساعد على خلق اتفاق دائم إذا كان كل طرف يدّعي أنه خيار كل لبنان، ومع هذه التناقضات وما ولدته من حالة عدم الاستقرار سيبقى الوضع مهيأ لأي مفاجآت غير سارة، وما أكثرها في بلد يعيش على خط العواصف..