من جديد دخل لبنان مأزق محاكمة قتلة الحريري، وقد تصرف ميقاتي بما جنّب لبنان الضغوط السياسية والاقتصادية، والتي كانت ستدخله في تعقيدات ليس بحاجة لها، غير أن الجدل الذي وصل إلى حد الاتهامات بين الفريقين المعارض لدفع الالتزامات المادية للمحكمة، والموافق الذي اعتبر تصرف رئيس الوزراء حكيماً وموضوعياً، صعّد المشكلة وعقدها.. لبنان لا يُحكم بالعقل إذ عاش على مبدأ التكتلات المتضادة، ولعله البلد العربي الأكثر في الحروب الأهلية، ومع إسرائيل، والمشكل أن كل شيء يمكنه إشعال الحرائق، الطائفة والحزب والمزادات السياسية المعروضة على كل دولة تستطيع أن تبيع وتشتري في داخله وبواسطة قياداته التي ظلت على فراق دائم.. قضية الحريري خرجت إلى الفضاء الدولي، وقضية أنها مسيّسة لصالح إسرائيل وأمريكا، فقتل الحريري جريمة سياسية حملت الاتهام لعدة أشخاص من حزب الله، وبصرف النظر عن الأهداف التي راح ضحيتها رئيس الوزراء والدوافع، فإن المتهمين وضعوا لبنان في مواجهة صعبة ومعقدة، والمشكل أن كل حزب أو طائفة يشعر برجحان قوته، يتصرف فوق صلاحيات الدولة، ولايمكن التعافي من هذا المرض الذي يحتاج إلى ميلاد شخصية لبنانية جديدة، تتصرف بمسؤولية الدولة، وليس القيام بالأدوار المعاكسة لصالح اللاعبين من الخارج.. الانقسام طال الوضع في سورية بين قوى تتحرك مؤيدة، وأخرى رافضة تنطق تحليلاتها ومواقفها نفس ما تقوله صحافة ورجالات دمشق، والخوف أن تنتقل معارك سورية إلى الداخل اللبناني، وحتى إسرائيل إذا ما أرادت تنفيذ ضربتها على إيران، فقد تدخل في حرب استباقية مع حزب الله حتى لا تكون بمرمى صواريخه، ومدافعه، بمعنى أن قابلية صعود التوترات في لبنان إلى ما فوقها، أمر محتمل، وتباشيره ظاهرة حتى للمواطن العادي هناك.. الغريب أن هذا البلد الذي يملك ثقافة عالية، وحراكاً اقتصادياً جيداً، وقبلة السياح العرب، وغيرهم، غالباً ما يصنع الأزمة ويغرق بها، وكأنه لا يعيش إلا عليها، فكل فصيل له دولة يتكئ عليها، فكان المسيحيون يعتبرون الأم الفرنسية، هي الراعي، والسنة يعيشون على غطاء كل الدول العربية التي تلتقي معهم بالمذهب، وبظهور قوة حزب الله ظل يعتمد على دعم إيران الذي وصل إلى حد مبايعة خامنئي قائداً دولياً للفقيه، ودمشق صارت القنطرة التي يمر منها السلاح والأموال والتدريب لجميع عناصره.. الوصول إلى توازنات وتكافؤ بين المكوّن اللبناني أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً، ومسألة الحريري التي ظهرت على الواجهة وأخذت بعداً دولياً سوف يستغلها الخصوم كلّ بحسب قدراته، وإذا ما أضفنا لذلك وضع البلدان التي تسودها الثورات، فإن لبنان يقع في منطقة التوترات وتصاعد الأزمات.. شتاء هذا العام، هل سيكون ساخناً على لبنان، أم أن الطقس السياسي سوف يبرد على طريقتهم لا غالب ولا مغلوب؟ لكن المفاجآت غير المتوقعة ربما تحدث لأن المؤشرات تتحدث عن ذلك ، ترتفع فيها الأصوات وتنخفض حسب حرارة الجو.