يدخل القمر الليلة معي مدينة لانعرفها.. يوشوش النجوم المتدثّرة ببكائه، يتلو عليها أسماء الفصول والشعراء والشجر وأحاديث النساء، وحكايا الضوء المختلس من جيوب الشمس...! ها أنا كما كنت قبل أن ألتقيك، أحمل البحر على كتفي وأستلقي على رمل خامل، بوجع السنوات العجاف والنوارس المتعبة..! قدري الليلة أن أحبك أكثر حينما لاتكونين في مدينة القمر، وأشتاقك أكثر حينما لاتكونين في متناول البوح... وأن أغلق هاتفي كي لا تشي بنا امرأة تتعقبنا..! أيتها المتمثلة للقطيعة والممتنة للغياب... تؤدين غناء العشاء فجرًا، وتحملين القصيدة على السهر..! .. ليس للشعراء إلا مشيئة الليل وليس للنجوم إلا الاستماع لأحاديث القمر...! احملي معي مؤنة النثر والصبر والقصيدة والأنثى، وحاولي أن تبتعدي عن مواطن البال، اتركي نميمة القصيدة، وامسحي عن وجهك الجميل مساحيق الساديّة، ورطّبي شفاهك بقصائد إبراهيم..فالسماء لن تحدّث البحر عن أعراس النجوم، ولن يشي هو بحفلات الأسماك الصغيرة، والنوارس التي تفرح بالقمر ستهجع بعد أن يلتحف البحر الرياح التي تهبّ من الجزر المهجورة والقلوب المعلّبة..! ما أتعبني منك بك..وما أبعدني عنك إليك..! الانتظارُ سفينة لاتصل ولاتغرق... والأوراق الخريفية لاتعود إلى الشجر ولا ترحمها الريح التي تركلها كلما هبّت في مساء كهذا ..! لا أعرف الآن كيف أحزن، حينما يكون الحزن وطنًا لمن لاوطن له، ولا أعرف كيف أسكن حينما لايكون السكون إلا بك، ولا أعرف كذلك كيف سأعود إلى بيتي حينما يكون الطريق إليه أحاديثك التي لاتنتهي إلا على عتباته.. كنت أجمع قش الساعة لأبني لك عش الوقت... أقرض أطراف صفحات الكتب بحثًا عن مفردة ليست في متداول الشعراء..كنتِ القصيدة التي كتبتها كثيرا..كثيرا حتى استهلكتني..لاشيء.. فقط بانتظار امرأة تسكن العش معي..تعيد الكتب المقروضة إلى رفوفها وترقص حتى تطير فراشات المكان لغة تشبهها ومفردات لاتكون إلا لها..! لكنكِ كأنتِ تلك الأنثى التي لاتجيء بينما ننتظرها، ولا تغيب حين نتذكرها، وكأنني كنت معك البحر حين تكمليني ملحًا، أو أنني كنت الشفق حين تداهمينني ليلا... حسنًا لاشيء.. غير نخلة لا تنحني إلا حينما تموت، وطيرٍ لايأمن غصنًا حين تتأرجح الظلال..!