تفاءل اليمنيون خيراً بانطلاق مؤتمر الحوار في بلادهم بمشاركة كافة الفرقاء والفعاليات السياسية والحزبية والمجتمعية خصوصاً وهم من رأوا في هذه الخطوة فرصة تاريخية لاعادة الثقة بين ابناء الوطن الواحد وكسر الحواجز الوهمية والمصطنعة التى تعمقت فيما بينهم بفعل حدة الخلافات والانقسامات والصراعات ودورات العنف التى توالت على اليمن سواء في عهود التشطير او خلال سنوات الوحدة. وارتفع مستوى هذا التفاؤل اكثر عند معظم اليمنيين بوجود الرئيس عبدربه منصور هادي على رأس مؤتمر الحوار الذى حرص في الجلسة الاولى على ان يبعث اليهم رسالة يطمئن فيها الجميع على ان الاوضاع في بلادهم اخذت تسير في الاتجاه الصحيح والسليم مشيراً الى ان ما يعول على مؤتمر الحوار هو تشخيص وتوصيف المشكلات التى يعانيها الواقع اليمني والخروج بحلول شاملة وضامنة تحافظ على سلامة اليمن وتحميه من التشرذم ومشاريع التجزئة الهدامة التى تهدد وحدته وسيادته وامنه واستقراره. ويبني المتفائلون امالهم وتوقعاتهم بنجاح مؤتمر الحوار ايضاً من قناعتهم بان المجتمع الدولي الذى حال دون انزلاق اليمن الى المصير الذى انتهى اليه الصومال، ووقف الى جانب التسوية السياسية السلمية التى رسمت معالمها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لن يسمح باي حال من الاحوال لاي طرف كان، في الداخل او الخارج، بافشال مؤتمر الحوار وافساد مناخاته وتعطيله وجر اليمن من جديد الى دوامة العنف والفوضى بالنظر الى الموقع الجغرافي والاستراتيجي الحساس لهذا البلد واطلالته على اهم المضايق البحرية الذى وإن عمته الفوضى فانه الذى قد يتحول الى بؤرة يصعب السيطرة عليها. ومع كل هذا الاهتمام الذى يوليه المجتمع الدولي نجد ان حل معضلات ومشكلات اليمن يظل بيد ابنائه الذين لابد ان يكون رهانهم اولاً على انفسهم وعلى استشعارهم بحجم المسئولية التى تقع على عواتقهم اليوم وهم يبدؤون حواراتهم من اجل التوافق على الوسائل والسبل التى من شأنها انقاذ بلادهم واخراجها من نفق الازمات والمشكلات المستعصية التى لاشك ان عددا منها قد صنعتها ايديهم اكثر مما ساهمت فيها اقدارهم ومع كل ما اسلفنا يبقى من الواضح ان حجم المشكلات وخطورتها تفرضان على المشاركين في مؤتمر الحوار الاقرار بضيق مساحة المناورة السياسية التى تزداد ضيقاً يوماً بعد يوم ليس بفعل ضغوط الخارج وانما بسبب تفاقم الاوضاع المعيشية للمواطنين الذين يشعرون ان كثيرا من الازمات التى يتجرعون مراراتها هي في الواقع من صنع السياسيين والنخب الحزبية والوجاهات القبلية التى تشارك في معظمها في مؤتمر الحوار. ومع ان المواطن اليمني البسيط هو من يعول على مؤتمر الحوار ان يضع حداً فاصلاً لكل المشكلات التى يحصد اشواكها على صعيد حياته اليومية نرى بعض تيارات الحراك الجنوبي التى قاطعت مؤتمر الحوار واتجهت الى تصعيد فعاليات التظاهر المطالبة بالانفصال تسعى الى التأثير في مؤتمر الحوار عبر تأزيم الاوضاع الامنية في محافظة عدن، واثارة الغبار على حالة التفاؤل والمناخ السياسي الايجابي الذى تولد عن اتفاق اليمنيين على الحوار. ومن الواقعية الا نلوم اولئك البسطاء الذين يتم التغرير بهم واستغلال ظروفهم المعيشية للدفع بهم الى قطع الطرقات وتعكير الامن والسكينة العامة ولكن فان المسئولية تقع على اولئك السياسيين الذين يحرضون بالعلن على العنف ويدعون الى رفض الحوار خدمة لاجندات خارجية صارت معروفة ومكشوفة في اليمن وخارجه. وفي ظل استمرار هذه الحالة المقلقة يجب ان يسأل كل يمني نفسه ماذا قدم لوطنه حتى يحميه من تلك العناصرالمنفعلة التى تنادي بتمزيقه وتفتيته ولماذا يترك هذا الوطن لقلة تعبث به كما تشاء؟ ولماذا اصبح بعض اليمنيين سلبيين الى هذه الدرجة؟ هل هو الخوف او عدم المبالاة؟ او ضعف الوطنية او عدم الغيرة ام هو اليأس من الاصلاح والاقتناع بما يحدث؟ قد تكون لكل واحد اجابته واسبابه وقناعاته الشخصية ولكن مهما اختلفت الاجابات والاراء والقناعات والمصالح فلا يمكن الاختلاف ابداً على ان حماية الاوطان هي مسئولية كل ابنائها، ولا يجوز على الاطلاق ان تعبث فئة صغيرة باليمن كما يحلو لها فيما الكثرة الكاثرة غافلون او لاهون او خائفون او مترددون او يائسون او متفرجون مع ان امامهم كثير وكثير مما يجب ان يعملوه حتى لا يأتي اليوم الذى يبكون فيه وطناً يستحق اكثر من البكاء.