أوضح "د.أحمد الطويل" -الرئيس التنفيذي للمجموعة العربية للتعليم والتدريب- أنّ الاستثمار في رأس المال البشري في مقدمة القضايا التي تهتم بها المجتمعات، رغم اختلاف أنظمتها ومستويات نموها، حيث يعدّ العنصر البشري المؤثر الأول في جميع عمليات التنمية، وبذلك أصبح في مقدمة ثروات الأمم، ولذلك انتهجت الدول في خططها الاستراتيجية إلى دعم وتطوير القوى العاملة الوطنية، من خلال تشجيع كافة المبادرات المتعلقة بالتدريب وتنمية القدرات. وقال في حوار ل"الرياض": "الثروة الحقيقية للمملكة ليست في النفط، بل هي في العنصر البشري الذي يساهم في تطوير الصناعة النفطية، ويعمل على تحقيق الاستغلال الأمثل للذهب الأسود"، مطالباً بإنشاء لجنة عليا للتدريب والاستثمار في العنصر البشري، تُعنى بوضع استراتيجيات تدريب شاملة لتأهيل الكوادر الوطنية، ورفع كفاءتها، وفيما يلي نص الحوار: ثروة الوطن في استثمار قدرات أبنائه لمواجهة تحديات المستقبل.. وهناك فرق بين التدريب والتعليم التكامل بين التعليم والتدريب * بداية كيف تنظرون إلى واقع برامج التدريب في المملكة؟ - طالبت قبل فترة، وأؤكّد المطالبة مرة أخرى، باعتماد لجنة عليا للتدريب في المملكة، بحيث تكون هذه اللجنة متخصصة في برامج التدريب؛ لأنّ مستقبل الأجيال القادمة لا يقف على التعليم فقط، بل إنّ التعليم والتدريب متناغمان، فالتعليم يعتمد على النشاط المنهجي، أو على الإنجاز الأكاديمي، وعلى التحصيل العلمي الذي هو أقرب ما يكون إلى التنظير ويبتعد عن سوق العمل، لذلك يكون التدريب هو المكمل لهذا الشأن، والتعليم والتدريب جناحان للتنمية البشرية. السنة التحضيرية في الجامعات فرصة ل «كسر الحاجز النفسي» واختيار التخصص المناسب الترقية والتأهيل * لماذا طالبتم بأن يلتفت للتدريب كوحدة مستقلة عن التعليم؟ - خصصت الدولة مبالغ كبيرة للتدريب، سواء عن طريق الإدارات الحكومية بإنشاء إدارات للتدريب، أو عن طريق تأهيل موظفي الدولة، وذلك عبر الجهات الحكومية كمعهد الإدارة العامة، أو من خلال القطاع الخاص محلياً، أو الابتعاث، ولذلك لا بد أن يلتفت للتدريب كوحدة مستقلة عن التعليم، فالتعليم شيء، والتدريب شيء مناظر له، وللأسف أنّ بعض إدارات التدريب الحكومية قد لا تفهم أهمية التدريب، وكثيراً من الموظفين انتقلوا عن طريق الترقية وليس التأهيل، وفاقد الشيء لا يعطيه، فيجب أن يكون مديرو التدريب، أو من يعملون في إدارة التدريب، متخصصين في هذا الجانب، أو يُعَدون إعداداً كاملاً لهذا التدريب. تأهيل القوى البشرية يلبي احتياجات السوق احتياجات تدريبية * كيف يمكن للجهات الحكومية أن تؤهل منسوبيها لتطوير العمل؟ - يجب على الجهات الحكومية التعاون مع القطاعات الخاصة، والجهات التعليمية، والتدريبية، في إنشاء إدارات متخصصة تعي مسؤولية التدريب وتنطلق من خلاله، ولا يكون مجرد شغل وظيفة فيوضع فيها من لا يستحقها ولا يعرف قيمة التدريب، وقد تذهب كثير من المخصصات لبنود أخرى غير التدريب وهي مخصصة له؛ وذلك لضعف عملية التدريب ذاتها، أو تنفذ برامج تدريبية ويخسر عليها الملايين ولكن لا جدوى منها؛ لعدم توافر الأهلية الكاملة لذلك، سواء من ناحية البرامج، أو طريقة التدريب الذي يعود بالنفع على المنشأة نفسها، فكل منشأة لها خصوصيتها ولها طريقتها في الأداء وفي احتياجاتها التدريبية، فقد تحتاج إلى تدريب نوعي حتى تستطيع أن تؤهل منسوبيها لقيادة الدفة، سواء على العمل الحالي، أو على مستوى النظرة المستقبلية في أن تتكون وتتبلور أفكار جديدة، ويظهر منسوبون جدد يفهمون ويعون، فيكون التغيير في الأشخاص قبل أن يكون التغيير في الأدوات والآليات. الإنسان الناجح في عملية تدريب مستمرة التعاون بين الجهات * ما هي أبرز تحديات مراكز ومعاهد التدريب في الوقت الراهن؟ - التدريب عملية تراكمية مستمرة ولا يتوقف عند حد، فكما يكون هناك حاجة للطعام والشراب في حياة الإنسان فكذلك يحتاج للتدريب، خاصةً في هذا الوقت الذي تطورت فيه التقنيات، فلا يستطيع الإنسان أن يلحق بالركب حتى يكون في تدريب دائم، فحياة الإنسان فعلياً هي عملية تدريب مستمرة. أمّا من ناحية التحديات التي تواجه المعاهد فأنا أدعو أن يكون هناك تعاون فعلي بين الجهات الإشرافية الحكومية وبين مراكز التدريب، وأن تكون العلاقة بينهما هي علاقة تكامل لا علاقة تنافس تضر بالمعاهد الخاصة، فلا بد أن يكون هناك حلول من الجهات الحكومية المختصة لتشجيع المجدّ من هذه المعاهد، وكذلك إبعاد المعاهد السيئة عن السوق والتي تخل بعملية التنظيم، أو تحاول أن تنافس في مكان ليس مجالاً للمنافسة، على حساب الجودة ومستقبل أبناء وبنات هذا الوطن الغالي. الثروة الحقيقية للوطن * تأهيل العنصر البشري لسوق العمل هدف إستراتيجي للتنمية، ولكن لا يزال هناك تحديات أكبر أمام هذا الهدف.. ما هي من وجهة نظركم؟ - لا بد من التدريب الذي يهيئ الشخص لمواكبة التحديات والتطورات الكبيرة، وهذا هدف إستراتيجي للتنمية، وليس هدفاً ثانوياً، بل هو أهم من حفر الآبار النفطية -بغض النظر عن أنها دخل مهم للوطن ومواطنيه-، لكن الاستثمار في العنصر البشري أهم، فقد تذهب المعادن وتذهب تلك الأشياء عن البلد، ولكن العنصر البشري هو الثروة الحقيقية لهذا الوطن، ومن خلال عملية التأهيل يستطيع الشاب أن يبدع في أي مكان بعد عملية تدريبية مستمرة، ويقف أمام تحديات أكبر وأهداف كثيرة. عملية متجددة * ماذا يحتاج سوق العمل من برامج ودورات لتأهيل العنصر البشري؟ - لا أستطيع تحديد الاحتياج في حوار كهذا؛ لأنّه دائم ومتجدد، وكما ذكرت هناك نظرة آنية للتدريب لتأهيل كوادر حتى تصبح جاهزة للعمل، وهناك نظرة مستقبلية مستجدة، فمن ناحية البرامج فهي عملية متجددة ومتغيرة، والذي يصمم برنامجه ثم يقف عليه فسينتهي بأقل من سنة؛ لأنّ التجديد في الحياة عملية مستمرة ومتكاملة، كما أنّ لكل جهة ما تحتاج من التدريب والبرامج النوعية، لذلك على مديري التدريب أن يكونوا احترافيين بملاحقة ومتابعة أحدث أنواع التدريب واحتياجات الأسواق، حتى تستمر عملية التطوير، وليس في مجال التدريب تحديد برامج تستمر فترات طويلة، لكن قد يكون في مجال التعليم. التأهيل للعمل * هل تغيّرت وجهة نظر القطاع الخاص من أنّ المواطن غير مؤهل للعمل؟ - برامج التدريب التي تنظم للشباب من أجل تأهيلهم غير كافية، وهي برامج قد تكون كما يقال: "ذراً للرماد في العيون"، وليست برامج حقيقية، ولذلك كيف ترغب من شاب خريج ثانوي أو جامعي ولا يملك لغة ولو بسيطة، ولا تأهيلاً تدريبياً، أن يكون جاهزاً لسوق العمل؟، ولو أنّ الجهات الحكومية التي تدرب وتؤهل الشباب تركت التأهيل داخل الشركات، كما في كثير من دول العالم التي تأتي بمجموعة من الشباب، ثم تتفق مع جهة مثلاً المصانع وغيرها وتريد تأهيلهم، وتدعم هذه الشركة بإعداد تدريب مع التطبيق العملي. ولك أنّ تتصور الشاب خلال سنة من التدريب والتطبيق العملي ماذا سيكون؟، حتماً سيكون متخصصاً ولا يحتاج إلى برامج عامة، لذلك أوصي بالتعاون بأن تتولى الشركات نفسها التدريب، وأن يخصص الدعم الذي تقدمه الدولة للصرف على تأهيل الشباب على رأس العمل، حتى يجمعوا بين النظرية والتطبيق. لجنة عليا للتدريب * لماذا غاب إنشاء جمعية للتدريب عن الأكاديميات والمراكز والمعاهد؟ - هناك الجمعية السعودية للتدريب وغيرها، وأجدد الدعوة لإنشاء لجنة عليا للتدريب والاستثمار في العنصر البشري، وهي التي تتولى هذا الأمر، حيث لا تكون تابعة لجهة حكومية، وتكون أيضاً مستقلة تماماً. السنوات التحضيرية * كيف تنظرون لتجربة السنوات التحضيرية في الجامعات السعودية؟ - هي فكرة ضرورية وأساسية في بعض الجامعات، ومن الضروري أن ينظر إلى البرنامج الأكاديمي من حيث الجودة، سواءً في مجال اللغة أو العلوم أو غيرها، ولابد أن تزال الرهبة من الطلاب والطالبات الذين جاءوا من التعليم العام، من خلال تأهيلهم بخلق أجواء الترغيب في الدراسة، وتسهيل مهمتهم لكسر الحاجز النفسي، فهدف السنة التحضيرية إعادة وتكوين وتأهيل الطالب لما هو قادم، ومساعدته على أن يشق طريقه ويختار تخصصه بالطريقة المناسبة، ونظراً للأهمية التي تمثلها هذه التجربة الناجحة؛ أتمنى تعزيز السنوات التحضيرية وأن تكون من الجانبين النظري والعملي، وأن يكون هناك جانب تأهيلي ونفسي للطلاب والطالبات. التدريب على رأس العمل * التدريب على رأس العمل لا يزال أفضل خيار للتأهيل.. ولكن هل تتفق أن أهدافه قصيرة المدى؟ - أنا لا أتفق مع هذه الرؤية؛ بأن نرسل طالبا يتدرب في منشأة ويرسل لمدة شهر للتدريب في جهة سواء حكومية أو خاصة، أنا أتفق مع الرؤية التي ذكرتها بأن يكون هناك تعاون، وأن يشمل التدريب العملي والتدريب النظري في المنشأة التي سوف يتخصص فيها المتدرب، مثلاً لو أردنا أن نؤهل طالباً لسوق العمل بتدريبه في السكرتارية أو غيرها، يلتحق المتدرب بالشركات التي تلتزم مع الجهات الحكومية لتعينه، فهم يدربونه ويجعلونه يطبق ما تدرب عليه في عمله الذي سوف يستمر فيه، فهذا هو التدريب الحقيقي على رأس العمل. واجب حتمي * ما هو المؤمل مستقبلاً في تطوير قدرات الموارد البشرية؟ - الواجب المحتم علينا أن نعمل كمجتمع وكأفراد من أجل الاستثمار في التدريب والموارد البشرية، وهذا هو الاستثمار الحقيقي الذي سيبقى لنا، فعندما أعدّ ابني وأعطيه المال للرفاهية فقط، هذا ليس إعداداً للمرحلة المستقبلية في حياته، بل عندما أعدّه بحمل الفكر، والتدريب، والتأهيل، والعلم، عندها سيشعر بالمسؤولية، ويعلم بأنّ هذا هو مستقبل حياته، فالتأهيل في الموارد البشرية ليس خياراً، بل واجب حتمي على الجميع؛ لتحقيق النماء والقضاء على البطالة، والاستثمار في العنصر البشري هو طوق النجاة لكل دولة. * كلمة أخيرة ؟ - الحياة تحدٍ، وتدريب، فهي تجمع بين المعاناة والفرح، بين النجاح والفشل، ولكن من المؤهل لهذه المواجهة؟، إنّه الشخص السوي الذي دعمه والداه في أول حياته ووجهاه الوجهة الحقيقية، ووجد البرامج المؤهلة، سواءً على المستوى الحكومي أو المجتمعي أو الخاص، فانطلق في هذه الحياة ليخوض بأفراحها وأتراحها؛ لأنّ الأساس هو أن يكون مستعداً للمواجهة وللتحدي، والتصدي لها دون الشكوى، فهذا هو التحدي الحقيقي الذي نواجهه كمجتمع.