شتاء جازان يجذب السياح والزائرين    فعاليات شتوية    أمطار الشتاء تنقذ تونس من حالة الطوارئ المائية    يزيد الراجحي يتوج بلقب رالي داكار في إنجاز يعد الأكبر في تاريخ الرياضة السعودية    التايكوندو يحتفي بالدوليين    يا علي صحت بالصوت الرفيع!    مليار و700 مليون وحدة بيانات تصنف المدارس ل4 مستويات    معلم سعودي ضمن الأفضل عالمياً    «عين السيح».. تأسر عشاق التراث    الاكتئاب المبتسم.. القاتل الصامت    كنو يرفض 8 ملايين في الموسم    المملكة تحتضن معرض التحوّل الصناعي العالمي    الذكاء الاصطناعي يحتال بشخصية براد بيت    "الداخلية" تحصد جائزة أفضل جناح بمؤتمر الحج    الهلال يقترب من ضم موهبة برازيلية جديدة    سيتي يضم مرموش ويجدد لهالاند ويفقد ووكر    إيقاف بياناتك على منصات Meta    ضبط أكثر من 21 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    مقررون أمميون يدعون لتطبيق وقف إطلاق النار في غزة    علامات تدل على اختراق حسابك في جوجل    الألمعي تعبر عن شخصية جازان    علاقة الاقتصاد بارتفاع الطلاق    تاريخ حي الطريف    تعزيز الفرص الاستثمارية في منظومة خدمات الحج    السديس: لحظة تاريخية استثنائية.. إطلاق أكبر هيكلة تنظيمية برئاسة الشؤون الدينية في الحرمين    أكدت على الحقوق الفلسطينية وأشادت بجهود الوسطاء.. المملكة ترحب باتفاق وقف النار في قطاع غزة    تفوق الجراحة الروبوتية في عمليات الكبد    خطر منتجات النظافة الشخصية على الصحة    تناول الشاي الأخضر بانتظام يقي من الخرف    ميزات زر قفل iPhone    أحزمة مذنبات بأشكال متنوعة    مُسلّح يغتال قاضيين في طهران وينتحر    لماذا يخافون سورية الجديدة ؟!    رون ولي وماتياس    كل أمر حادث هو حالة جديدة    الأمير فيصل بن سلمان يكرم عائلة أمين الريحاني بسيف صنع في السعودية    سالم الدوسري يحقق جائزة أفضل رياضي لعام 2024 ضمن جوائز «جوي أوورد»    ترمب وبايدن والدولة العميقة !    عميل لا يعلم    المملكة توزّع مواد إغاثية متنوعة في سوريا    دور المرأة في قطاع التعدين بالمملكة.. الواقع والطموح    تأثيرات صحية لاستخدام الباراسيتامول بانتظام    اقتران بين كوكبي الزهرة وزحل في سماء الحدود الشمالية    الوحدة الوطنية    الجامعة في القصر    جمعية التوعية بأضرار المخدرات تحصد نجاحًا باهرًا في ختام مبادرتي "دن وأكسجين" بجازان    الشيخ الثبيتي: لا تطغوا بعلمكم ولا تغتروا بقوتكم    الشيخ السديس: حصّنوا أنفسكم وأولادكم بالأوْرَاد الشَّرْعِية    تطوير منصة موحدة للنقل في مكة المكرمة    ضبط مواطن في عسير لترويجه (5,838) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    شرطة الرياض تقبض على 4 أشخاص لسرقتهم مركبات واستخدامها في سرقة الأسلاك    رصد طائر البوم «الفرعوني» في شرق عرعر    براً وبحراً وجواً.. ضبط 2124 حالة ممنوعة خلال أسبوع    الرئاسة العامة تشارك بورشة عمل بعنوان (رقمنة التوعية في أداء المناسك)    خطيب المسجد النبوي: احذروا أن تتحول قوة الشباب من نعمة إلى نقمة ومن بناء إلى هدم    «الخارجية»: نرحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة    «التويجري» ترفع الشكر للقيادة بمناسبة صدور الأمر الملكي بتشكيل مجلس هيئة حقوق الإنسان في دورته الخامسة    إطلاق كائنات فطرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الوعي الذاتي
نشر في الرياض يوم 19 - 03 - 2013

على المستوى الواقعي فالإنسان بطبعه (أي إنسان) نزّاع إلى تعميم أيدلوجيته، وتوسيع دائرة قناعاته وأفكاره، ويشعر بالاطمئنان النفسي والاجتماعي حين يعيش بين أشباهه ومماثليه سواء على مستوى الأيدلوجيا أو الانتماء الفكري والسياسي والاجتماعي سواء من عائلة واحدة أو قبيلة واحدة أو عشيرة واحدة..
وهذه النزعة لا تموت لدى الإنسان، وإنما قد تخبو لعوامل ذاتية أو موضوعية.. ولكنها تبدأ بالبروز حين تكون الظروف مؤاتية لإبراز هذه النزعة.. ونزعة التعميم والتبشير والإقناع، ليست خاصة بإنسان دون آخر.. فالإنسان الذي ينتمي إلى دين سماوي، يعمل عبر إمكاناته لتعميم قناعاته الدينية على محيطه الخاص أو العام.. كما أن الإنسان الذي ينتمي إلى دين وضعي يمارس ذلك الدور.. والإنسان الذي ينتمي إلى مدرسة فكرية ما أو مدرسة سياسية ما، هو أيضا يتطلع إلى تعميم قناعات مدرسته الفكرية أو السياسية، ويشعر بالنجاح والتفوق حينما يتمكن من إدخال وإقناع آخرين في منظومته الفكرية أو السياسية..
ولو تأملنا في الخريطة الدينية أو الثقافية في العالم، سنكتشف حجم الجهود والإمكانات التي تبذل في هذا السبيل، وطبيعة التنافسات بين العاملين في سبيل تعميم دينهم أو توسيع رقعة المؤمنين بأفكارهم.. لذلك فإن الجميع يؤهل علميا ونفسيا واجتماعيا بعض أفراده للقيام بعملية التبليغ والدعوة أو التبشير وتوسعة دائرة المؤمنين.. كما أن الجميع يبذل الكثير من الإمكانات البشرية والمادية في هذا السياق ..
وكل هذه الجهود والمنافسات والعمل المحموم، يعود إلى تلك النزعة الكامنة لدى كل إنسان، والتي تتغذى ثقافيا واجتماعيا من عناصر وقيم المنظومة العقدية والفكرية التي يؤمن بها ويتحلق حول مقتضياتها..
ولو أعملنا العقل والفكر وتأملنا بعمق حول هذه النزعة التي تلازم الإنسان بمستوى من المستويات، لاكتشفنا أن كل إنسان بصرف النظر عن دينه أو منظومته الفكرية أو السياسية، يعتقد أن ما هو عليه هو طوق النجاة وهو سبيل الفلاح في الدارين (الدنيا والآخرة) وأنه هو وأشباهه هم القابضون وحدهم على الحقيقة، وإن ما دونهم يعيشون الغبش في الرؤية والمصير، وإنهم بمستوى من المستويات بعيدون عن الطريق المستقيم..
وثمة تعابير ومصطلحات مستخدمة لدى كل المنظومات والعقائد والأفكار تعكس هذه الحقيقة والقناعة من قبيل الاستقامة - الضلال - الرجعية - ماضوي - شمولي - الهرطقة - الضياع - فقدان البوصلة وغيرها من التعابير والمصطلحات المتداولة، التي تعكس بطريقة أو بأخرى موقفا قدحيا من الآخر المختلف والمغاير..
ولكن هذه المنظومات تتفاوت لعوامل ثقافية وحضارية واجتماعية في مستوى القدح والذم للآخر المختلف والمغاير..
ولكن الجميع لا يساوي بين ذاته والآخرين المختلفين، ويتعامل معهم وفق ثنائية : نحن وهم، حتى ولو كان هذا ال(هم) هو من دائرته الوطنية أو ما أشبه ذلك..
ولكن هذه النزعة الدفينة لدى كل إنسان، قد تتجاوز الحدود الطبيعية في النظرة والموقف من المختلف والمغاير، لنجد أن جميع هذه المنظومات تعمل بطريقة أو أخرى على تهذيب هذه النزعة والحد من غلوائها، والحؤول دون تمددها العنفي والوحشي ضد الآخرين..
فالحروب الدينية التي سادت العالم الأوروبي في القرون السابقة، هي التي دفعت أهل الإصلاح والتنوير من كل المواقع الفكرية والمذهبية والقومية في أوروبا، إلى تهذيب وإصلاح هذه النزعة، التي أفضت ضمن تداعياتها النفسية والسلوكية إلى تلك الحروب التي راح ضحيتها الملايين واستمرت ما يقارب
(130) عاما..
أقول إن وقائع الحرب وتداعياتها على النسيج الاجتماعي ومخاطرها الكبرى على راهن الإنسان ومستقبله، هي التي حفزت أولئك أي أهل الإصلاح والتنوير إلى تهذيب وضبط هذه النزعة بقيم الحرية والتسامح والمحبة والعقد الاجتماعي وبقية شجرة القيم، التي نقلت في مدى زمني محدد، العالم الأوروبي من فضاء للنزاعات والحروب الدينية والقومية والسياسية، إلى فضاء لصناعة التقدم وبناء دولهم على أسس جديدة تحول دون إنتاج الحروب الدينية في أوساطهم، وأعادت صياغة العقل الأوروبي باتجاه التعايش والاحترام المتبادل وصيانة حقوق الجميع وضمان حرية التعبير والضمير والحرية الدينية..
وفي الدائرة العربية والإسلامية اليوم، حيث أشكال الاستقطابات الطائفية والقومية والمذهبية الحادة، والتي تحولت في بعض البلدان إلى صدامات دموية، وإذا استمرت هذه الاستقطابات الحادة بدون معالجة حقيقية فإنها تنذر بالكثير من المخاطر التي قد تصل إلى مستوى الكوارث على المستويين السياسي والاجتماعي..
لهذا فإن ثمة حاجة قصوى في فضائنا العربي والإسلامي، لتضافر جميع الجهود وصياغة رؤى فكرية ومبادرات سياسية واجتماعية، تتجه إلى إخراج المنطقة العربية والإسلامية من احتمالات الانزلاق والتشظي على قاعدة طائفية أو مذهبية..
ولايمكن إخراج المنطقة العربية والإسلامية من هذه الاحتمالات الكارثية إلا بخريطة الطريق التالية :
1-تجديد الخطاب الديني وإبراز مضمونه الإنساني، الذي يحترم الإنسان ويعتبر نفسه وماله وعرضه حراما، وإعادة صياغة دور المؤسسات والمعاهد الدينية والشرعية، بحيث تكون حامية للجميع وبعيدة قولًا وعملًا عن كل النزعات الطائفية والمذهبية والفئوية، وترفع الغطاء الديني عن كل الخطابات التي تبث الكراهية والتحريض ضد المختلف، وعن كل الممارسات العنفية التي تمارس القتل والتدمير باسم الدين..
لأننا نعتقد أن صمت المؤسسات الدينية عن هذه الممارسات الشائنة والبعيدة عن نهج الإسلام وتعاليمه الأخلاقية سيدخل المنطقة في أتون الحروب العبثية والنزاعات الغوغائية..
فمن أجل الأمة ووحدتها، ومن أجل الوفاء بقيم الإسلام الخالدة، من الضروري أن تمارس هذه المؤسسات دورها في محاربة نزعات الكراهية والعنف والتحريض الطائفي والمذهبي..
2-إن جميع الدول العربية والإسلامية معنية بصيانة قيم العدالة والمساواة في مجتمعاتها، وتجريم كل الممارسات التي تفرق بين المواطنين تحت يافطات قومية أو مذهبية أو عرقية أو ما أشبه ذلك..
فالدول العربية والإسلامية، هي المسؤولة عن صيانة وحماية كل مقتضيات المواطنة بعيدا عن انتماءات ما دون المواطنة..
3-ضرورة أن يتعاون أهل الوسطية والاعتدال والتسامح مع بعضهم البعض، لتعزيز هذه القيم في الفضاء العربي والإسلامي، ومحاصرة كل الخطابات والممارسات المتطرفة، ومعالجة المشكلات التي قد تساهم بشكل أو بآخر في توتير الأوضاع أو تأزيم العلاقة بين مكونات وتعبيرات العرب والمسلمين ..
فلا يكفي أن نلعن جميعا الظلام، وإنما نحن بحاجة إلى التكاتف والتعاون والتعاضد لإشعال شموع الوسطية والتسامح والاعتدال في كل أرجاء حياتنا ووجودنا العربي والإسلامي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.