المتأمل لخطابنا الثقافي بكل أنواعه: الاجتماعي والديني والسياسي، يشهد تراجعا في مستوى التسامح والتقبل للرأي المختلف بكل توجهاته. ولا يستثنى من ذلك الحال أي تيار فكري من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. نحن اليوم ببالغ الأسف نشهد حربا إعلامية ضارية على مواقع التواصل الاجتماعي تصادر الآخر وتقصي المختلف وتسفه كل رأي لا يتفق مع ما تطرحه. ولكم في مواقع الفيسبوك والتويتر والمدونات الإلكترونية والقنوات الفضائية ذات التوجه المذهبي خير شاهد على الكم المفزع من الشتم والبذاءات والتجريح الشخصي للآخر المختلف، بدءا من العنصرية إلى القبلية، ومرورا بالتوجهات الفكرية والتصنيفات الفئوية المحصورة في مربعات ضيقة، والتي بتنا نراها تنضح بالهجوم على المختلف وتضج بالألقاب العنصرية والتصنيفات الفكرية القائمة على المذهبية والمناطقية، بل وحتى الانتماءات الأسرية أحيانا. وعلى مستوى الخطاب الديني المتشدد، فالحال ليست بأقل بشاعة، حيث تتم مصادرة الاختلافات المذهبية، ويتم تشويه صورة معتنقي المذاهب المختلفة جهارا. كل ذلك يمارس تنظيرا من كبار المتشددين وسلوكا من التابعين للمتشددين. وهذا الحال الذى وصل إليه خطابنا من تدنٍ في تقبل الاختلافات الإنسانية بين البشر على المستوى العالمي والعربي والوطني يبرز قيمة التسامح الحقيقي وأهمية التعايش السلمي القائم على القوانين المدنية. فالتسامح والتعايش بين البشر يعني على المستوى الفعلي التوليف بين الاعتراض والقبول، كما يقول المفكر السعودي محمد محفوظ في كتابه (التسامح وقضايا العيش المشترك)، أي احتضان مبدأ الاعتراض الحضاري والقبول الإنساني في وقت واحد. لذلك فالاختلاف في القناعات بين المذاهب لا يجب أن يكون مرادفا للكراهية والتنابذ والقطيعة مع الآخر. كما أن التعايش مع الآخر يعني قبوله كما هو على قناعاته دون محاولة لإرغامه على تغيير تلك القناعات. في خضم البحث عن حل لأزمة خطابنا الثقافي المأزوم فكرا وممارسة، جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز لإنشاء مركز الحوار بين المذاهب الإسلامية؛ لتكون بمثابة العصا السحرية التي لو أجدنا تطويعها في إيجاد حل عقلاني لمشكلة التأزم بين المذاهب لوجدنا فيها خيرا كثيرا، فالحوار أولا وأخيرا هو قبول المختلف والاستماع إلى رأيه والتعايش معه بالرغم من اختلاف القناعات. الحوار يعني القطيعة مع الأفكار التي تحقّر الإنسان أيا كان مذهبه، رجلا كان أو امرأة. والحوار يعني التخلي عن الخرافات والمرويات المفتراة التي يروجها المتطرفون من كل مذهب ضد الآخر من أجل إيقاد جذور الكراهية المذهبية. الحوار يعني طرح مشاكلنا الواقعية على طاولة النقد العلمي الجاد؛ بهدف الوصول إلى إجابات تستند إلى المنظومة القيمية والأخلاقية في ديننا الحنيف الذي يسعى لإعلاء قيم العدل والحرية والعدالة الاجتماعية دون تمييز بين الأفراد. إن مراجعة خطابنا الثقافي وتطهيره من الاستعداء المذهبي والاقتتال الطائفي هو الرافعة التي يقوم عليها نجاحنا في الاستفادة من مركز الحوار بين المذاهب الإسلامية، وإلا فسوف يظل الحوار شعارا ليس لنا منه إلا المطبوعات المتناثرة في أدراج مكاتبنا، والكتب المصفوفة على أرفف مكتباتنا. [email protected]