حرس الحدود قبض في العام الماضي على 338 ألف متسلل.. ومن بداية هذا العام الى الخميس الماضي قبض على 98 ألف متسلل من الحدود الجنوبية للمملكة..هذه الأرقام الهائلة التي أمدني بها العميد محمد الغامدي من حرس الحدود، استوقفتني لا لكثرتها فقط بل أيضا للبحث عن تفسير لهذه الموجات البشرية الهائلة القادمة من البوابة الجنوبية. ويبدو أن هنا التاريخ يمارس دورة ماكرة، فبعد أن كانت الجزيرة العربية بيئة طاردة قاحلة شاحبة، وكان سكانها من القبائل السامية يغادرونها عبر هجرات كبيرة انتشرت في جميع بقاع الأرض، إلا أنه في الخمسين عاما الماضية وتبعا لطفرات اقتصادية كبرى أصابت المنطقة اختل الميزان السكاني، وعادت المنطقة لتتحول إلى منطقة جذب وإغراء للكثير من الطامحين في المردودات الاقتصادية السريعة والسهلة، سواء بطريقة قانونية أو بطريقة مخالفة، عبر منفذين رئيسين يهددان المملكة هما..الحج.. وحديقتنا الخلفية في الجنوب. ومشكلة المهاجرين غير الشرعيين قد لاتقتصر على المملكة ولكنها بالتأكيد هي قضيه عالمية تعاني منها الكثير من الدول، مثل الولاياتالمتحدة، وأوروبا، واستراليا، وسواها من الدول التي تعاني التباين الاقتصادي مع محيطها الإقليمي. الهجرات والنزوح هي مأساة أليمة بعمق التاريخ، ولطالما هددت الشعوب والحضارات بالشح الاقتصادي والجوع وغياب الأمن (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) مأساة أليمة يتداخل بملفها البعد الإنساني مع الأمني في الكثير من الأحيان مع تحسس اجتماعي كبير ضدهم نتيجة قوانين الهجرة وشرعية الإقامة. ولكن أعتقد بالنسبة لنا محليا أن ارتفاع عدد المتسللين من البوابة الجنوبية (بالتحديد) فجأة، وفي ظل الاضطرابات السياسية في المنطقة، من المستحيل أن نرجعها إلى العوامل الاقتصادية فهذه الأرقام لابد أن يداخلها أبعاد أخرى، لاسيما أن اليمن نتيجة للاضطرابات الأمنية التي حدثت بها مؤخرا، تأسس بها مركز لتنظيم القاعدة، وأيضا مركز للمخابرات التابعة للنظام الإيراني، وأرض اليمن السعيد الآن تعتبر مسرحا لحرب الجواسيس، وأمام أعداد المتسللين التي أعلن عنها حرس الحدود لابد أن نتوقف ونعي نوع الخطر والتهديد الذي حاصرنا كمسؤولين، وفي نفس الوقت نوع المسؤولية الكبرى المنوطة بنا كمواطنين. فمع الأسف أن نكتشف أن حديقتنا الخلفية مخترقة، ومن المحزن، أن نعرف أن التهريب هناك بات تجارة لها رجالاتها وأساطينها وبروتكولاتها. مع عدد من المتورطين في تهريب المتسللين، أو إيوائهم أو توفيرالمعلومات التي تؤمن تحركهم، وحتى إذا دخلوا المدن الكبرى ضاعوا هناك، وسط التواجد الكثيف للعمالة العالمية، ووسط حاجة المشاريع الإنشائية التي تكثفت مؤخرا ليد عاملة، جميع هذا خلق هذه السوق السوداء النشطة والخطرة في الوقت نفسه. وأعتقد أنه قد لايجدى هنا تدبيج سطور إنشائية ومواعظ خلقية للتذكير بخطر هذا الموضوع على المستوى الأمني بشكل يجعله يقترب من خيانة الوطن، وفتح بواباته الخلفية للغرباء. ومن لم تزعه مواطنته منذ البداية، وهو يسرب إلى بيت أهله الغرباء والمجرمين وعملاء المخابرات، فلن يردعه سوى قوانين صارمة، وتشريعات أمنية تأخذ على يد من جعل هذا الموضوع حرفته. الباقي من هذا الملف هو البعد الإنساني، وحتى لانتهم بأننا نمثل اليمين المتطرف الذي يرفض الأغراب بطريقة عنصرية كما هي الفرنسية اليمينية (مارين لوبين) لابد من تنظيم أوضاع من هم في الداخل قبل التصدي لمن هم في الخارج فعشوائية وجودهم وعدم متابعتهم يسهم في جلب المزيد منهم. وفي أوروبا أقام المهاجرون هناك حملة كبرى تحت شعار (أن المهاجرين يشكلون ثروة للاتحاد الأوروبي وليسوا عالة عليه). وبالنسبة لنا بالتأكيد لايجب أن نغفل أبدا الجوانب الإنسانية عند تعاملنا مع هذا الملف الحساس، إضافة إلى مسؤوليتنا الأخلاقية بجانب دورنا الريادي في المنطقة الذي يتطلب منا دعم بلدانهم بالمشاريع التنموية التي من الممكن أن تحميهم عن الأخطار والتورط في الانحرافات الأمنية كمتطلب حيوي يؤمِّن بوابتنا الخلفية.