لم يعد التسلل عبر الشريط الحدودي الجنوبي حكرا على جنسية واحدة بل أصبح يشمل جنسيات متنوعة ومن بلاد بعيدة ممن غادروا بلادهم بهدف الوصول إلى المملكة عبر بلد وسيط وبطريقة غير مشروعة، الأمر الذي ضاعف مسؤوليات رجال حرس الحدود بالنظر إلى تنوع أساليب وطرق الوصول والتسلل التي تنتهجها كل جنسية. وما إن تميل الشمس نحو الغروب ويبدأ الظلام في إرخاء أجنحته على القرى المتاخمة للحدود السعودية اليمنية حتى تنشط تجارة رائجة رأسمالها تهريب البشر، ففي كل مساء تتحول المناطق الحدودية مع المملكة إلى محطات ترانزيت لأفواج المهاجرين غير الشرعيين، أو باحثين عن سماسرة التهريب ليؤمنوا لهم عبور الحدود للوصول إلى المدن السعودية. ويتحين المتسللون حلول الظلام، لتبدأ معه رحلة خطر جديدة يعاودون فيها التسلل إلى الأراضي السعودية مرة أخرى، كما أن جماعات المهربين تلجأ إلى طرق وعرة الناجي منها مقبوض عليه. حين خيم الظلام وأصبحت الرؤية معدومة من شدة الديجور لم يعد للنور بصيص سوى لذلك الذي ينبثق من مقدمة المركبة التي كانت تقلنا، تبادر لذهني سؤال كيف لسماسرة التهريب أن يتعرفوا على الطرقات الوعرة وكيف يأمنون تلك الطرق المتخمة بالخوف والسواد؟ وفيما نحن نسير وإذا بي أشعر ان السيارة بدأت تسلك طرقا وعرة وجبلية فأوجست خيفة من أن تهوي بنا المركبة في أحد الأودية أو يعترضنا قطاع طرق من الجهة الحدودية الأخرى. الخوف في الجبال بدأنا نرتفع قليلا فقليلا حتى بلغنا قمة جبل، حينها قال لنا النقيب بدر ابقوا في سياراتكم والزموا الصمت ولا تضيئوا النور، وطلب ان نبقى في اماكننا حتى يعلن هو نزولنا بعد ان يتأكد من سلامة الموقع، قلت لنفسي كيف له ان يتأكد من امان الموقع وكل شيء يلفه الظلام؟ التخفي عن الأنظار مرت الدقائق وكأنها ساعات فالمجهول مصير الرحلة من الرعب إلى أن فتح باب السيارة قائلا «انزلوا من السيارة وامسكوا أيدي بعضكم بعضا»، وبدأنا المسير حتى بلغنا الموقع المحدد ونفذنا أوامره حتى وجدنا انفسنا نقف امام جهاز حديث جلس خلفه رجل امن من بواسل حرس الحدود، وقفت بجانبه اراقب ما ترصده الشاشة من تحركات السيارات على الحدود تسير اسفل الجبل في طريق ترابي ووعر، تضيء انوارها تارة وتطفئه تارة اخرى، ثم ينطلق نور في إشارة تفاهم بين المهربين. الأشباح تتحرك انتقلنا الى موقع آخر تتحرك الأشجار فيه بشكل مخيف ومن حولها أطياف بشر يسيرون زرافات ووحدانا خلف المهربين يحملون متاعهم فقط. في ذلك المكان لا تسمع إلا أصوات الخطوات وهمس المتسللين وبين الحين والآخر تمر سيارات تارة تتخذ من الأسفلت مسارا وأخرى لا يكاد يرى إلا غبار إطاراتها أو صوت احتكاك الحديد حين ترتقي الصخور. القبض على المهربين بعد ليلة من المراقبة تشير الساعة إلى العاشرة صباحا والأجهزة الحديثة لا تزال ترصد المتحايلين على جغرافية الحدود الذين يسيرون في الجبال وخلف الاشجار في قبضة رجال حرس الحدود حيث فاق عددهم 900 مهرب ومتسلل وتم تحريز قرابة 1200 حزمة قات، فتذكرت فورا وعد النقيب بأن حدود الوطن في مأمن. إغراء المال وقبل ان اغادر قطاع حرس حدود الحرث (الخوبة) التقيت بالمهرب سالم غالب الذي قال: ظروفي الصعبة هي التي اجبرتني على ان اسلك هذا الدرب الشاق وهذه هي المرة الاولى التي احمل فوق ظهري ممنوعات (القات) من اجل ان ادخلها الى المملكة، والقصة بدأت حينما التقيت احدهم. وأضاف «دون سابق معرفة جاءني رجل من أبناء قريتي وأغراني بالمال فضعفت نفسي ووافقت بعد أن ألح علي وأكد لي مرات عدة أن الدخول إلى الأراضي السعودية سهل وأنه على معرفة بالثغرات والمداخل التي لا يكتشفها رجال الأمن إلا أن وعده ذهب أدراج الرياح». حمل الممنوعات ويضيف صديقه ابراهيم حسن قائلا: احد اقاربي هو السبب في الموقف الذي انا فيه الآن، فقبل ايام جاءني الى المنزل وهمس في اذني بأن بإمكاني تحسين وضعي المادي مثل فلان وعلان أو حتى افضل منهم، المطلوب مني فقط حمل الممنوعات فوق كتفي والسير بها مسافات بصحبة آخرين ليلا حتى نصل حدود المملكة ثم نلقي بها خارج السور ونعود من حيث اتينا، صدقت قوله وفرحت بالمال وقلت لأهلي انني ذاهب الى العاصمة اليمنية باحثا عن عمل لدى أحد أصدقائي. مأساة امرأة وفي قسم حجز النساء تحدثت أم عائشة قائلة «لم اكن اقصد ان ادخل الى المملكة متسللة لقد غرروا بي وبابنتي. فقبل ثلاثة ايام كنت في زيارة ابن اختي وجاء بعض أصدقائه فأوهمنا أحدهم أن بإمكانه إدخالنا للأراضي السعودية دون تأشيرة مقابل مبلغ مالي إلا أن تلك الوعود لم تكن سوى كلمات وجمل لا محل لها من الإعراب». وقبل مغادرتنا قطاع حرس الحدود قال العميد عبده السيد قائد القطاع ان عدد المقبوض عليهم يوميا يراوح بين 900-1000 متسلل ومهرب وإن تهريب مادة الحشيش بات واضحا جدا عكس ما كان عليه في السابق، وإن الكميات في تزايد. وأضاف: لا يقتصر ضبط المتسللين على الرجال او الاطفال فقط، بل اصبحنا نلقي القبض على فتيات ونساء متقدمات في السن في كثير من الاحيان ومن واقع تحقيقاتنا معهن نكتشف انهن حاولن التسلل دون محرم وأن اهدافهن تختلف من امرأة لأخرى ولكل واحدة منهن حكاية بعضها يصدق وبعضها لا يمكن تصديقه. تعدد الجنسيات وكشف أن التهريب لم يعد مقتصرا على جنسية بعينها «تعددت الجنسيات، اصبحنا نقبض على اليمني والباكستاني والسوري والمصري وحتى الإندونيسي والبنجلاديشي والصومالي وجنسيات مختلفة، جميعهم يخضون للتحقيق وجميعهم (رجالا ونساء) تقدم لهم الخدمات الفحوصات والخدمات الطبية والمواد الغذائية وحال الانتهاء من إجراءاتنا معهم يرسلون الى الجهات المعنية بترحيلهم الى اوطانهم أو تطبيق العقوبات عليهم وسجنهم». العميد السيد أوضح ايضا ان رجل حرس الحدود لا يتعرض فقط للموت، فقد يتعرض للمرض نتيجة مخالطته المتسللين والمهربين الذين يكون بعضهم مصابا بأمراض معدية مثل الايدز والتهاب الكبد الوبائي والسل والأمراض الجلدية وغيرها من الامراض المعدية.