في الذكرى الثانية لكارثة زلزال شرق اليابان العظيم، التي وقعت في 11 مارس 2011م وخلفت أزمة فوكوشيما النووية بعد زلزال بقوة 9 درجات وتسونامي بارتفاع أمواج بلغت 39م، لو سألني أحدكم: ماهي أكبر غلطة لا تغتفر وقت الأزمات والكوارث الطبيعية؟؟ فسأجيب دون تردد: عدم الاستفادة من الأخطاء السابقة التي ارتكبت في إدارة أزمة أو كارثة مشابهة، وتكرارها خاصة في نفس المنطقة!! وفي هذه المقالة مقتطفات من المنهجية اليابانية في إدارة الأزمات والكوارث، وكيف تعلم اليابانيون من أخطائهم السابقة في مثل هذه الأوقات العصيبة، وعالجوا هذه المشاكل وواجهوها بكل شجاعة دونما مكابرة أو تزييف إعلامي للحقائق على الأرض. ففي عام 2007م وقع زلزال في منطقة نيجاتا غرب اليابان بقوة 6.6 درجات تسبب في خروج قطار الرصاصة السريع (شن كان سين) من مساره دون وقوع أي إصابات ومع ذلك فقد اعتبر اليابانيون أن خروج قطار يسير بسرعة 200 كلم/ساعة بسبب زلزال، وإن كان قويا، مشكلة كبيرة! وكان الحل في استكمال نظام تقني لاستشعار الموجات التي تسبق الزلازل ببضع عشرة ثانية، يتم خلالها عبر مركز التحكم الرئيس تخفيض سرعة جميع القطارات بشكل آلي حال رصد هذه الموجات بحيث لا يقع الزلزال إلا والقطار متوقف أو يتحرك بسرعة منخفضة لا تتسبب في خروجه من مساره. وفي زلزال (توهوكو) في مارس 2011م بقوة 9 درجات ومع وجود أكثر من 27 قطاراً سريعاً و 670 قطاراً في المناطق التي ضربها الزلزال شرق اليابان، ظهر أثر النظام الجديد، فلم تسجل حادثة واحدة ولم يخرج أي قطار عن مساره بسبب الزلزال! و في عام 1960م وقع في تشيلي أقوى زلزال في التاريخ البشري الموثق بقوة 9.5 درجات على مقياس ريختر ونتج عنه موجات تسونامي (مد بحري) عاتية وصلت لليابان بعد 23 ساعة وتسببت في مقتل 142 شخصا. بعدها استحدثت أنظمة رصد وتحذير من التسونامي داخل اليابان وربطت بشبكة دولية وتم تطبيق هذه المنظومة بفعالية. وفي هذا العام 2013م وبعد حصول زلزال بقوة 8 درجات في جزر سليمان في المحيط الهادي يوم 6 فبراير أطلقت التحذيرات من التسونامي ومنع الاقتراب من الشواطىء في اليابان وقام التلفاز ووسائل الإعلام بالتغطية الحية، حتى انجلاء خطر التسونامي القادم من البحار البعيدة. أما في عام 1995م فقد وقع زلزال أواجي الذي تسبب في انهيار الكثير من المباني والجسور في مدينة كوبيه. هذه الكارثة دفعت الحكومة اليابانية لوضع معايير وقوانين جديدة لنظم البناء، بحيث لا يقوم أي مبنى جديد إلا بعد استكمال المواصفات الخاصة بمقاومة الزلازل، وذلك على مستوى اليابان. وبعد زلزال 11 مارس 2011م، تسببت أمواج التسونامي العاتية التي اقتحمت مفاعلات فوكوشيما في ضرب أنظمة التبريد، والتي كانت على مستوى منخفض قريب من البحر مما رفع درجة الحراراة داخل المفاعل. وبعد الانفجار الهيروجيني تسربت كميات من المواد المشعة لخارج المفاعل مسببة أزمة بيئية وصحية ستستمر لمئات السنين. كان أول إجراء اتخذته السلطات اليابانية هو إغلاق جميع المحطات النووية في اليابان والتأكد من إجراءات السلامة. وعلى سبيل المثال، ففي محطة هاماؤوكا النووية على المحيط الهادي تم تشييد جدار عال بارتفاع 28 م تحسبا لأي أمواج تسونامي عاتية محتملة. وللاحتياط، صممت بوابات فولاذية مضاعفة القوة لحماية المفاعلات في حال تسرب المياه. وإمعانا في الاحتياطات، تم وضع أنظمة التبريد الاحتياطية على تل مرتفع وربطت بالمفاعلات. كل هذا والمحطة رسميا ما تزال مغلقة ولا تولد الطاقة الكهربائية حتى تتبين قدرتها بشكل تام على التعامل مع أنواع الكوارث المختلفة. وإن كان من شيء آخر تجدر الإشادة به، فهو مستوى الوعي الكبير لدى الشعب الياباني ومؤسساته في الاستعداد للكوارث والأزمات. فتجد المدارس والشركات والجامعات بل وحتى دور الحضانة تطبق الإخلاء التجريبي. وتجهز مباني المدارس بالماء والطعام والبطانيات لتكون ملاجىء لأهل الحي وقت الأزمات. كما يلعب الإعلام وخاصة قناة إن إتش كي الرسمية دوراً رائداً في نشر الوعي وإصدار التحذيرات ونقل الصورة الحية واستضافة الخبراء وإيصال البيانات الحكومية والمؤتمرات الصحفية لفرق إدارة الأزمة أولًا بأول. وتكون هذه التقارير على المحطات الرسمية متكاملة مع ما يبثه الناس في (يوتيوب) و(تويتر) وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي، فتحسبهم فريقاً واحداً يعملون صفاً كأنهم بنيان مرصوص! من نافلة القول أن البشر لا يمكنهم منع وقوع الزلازل والبراكين والتسونامي والأعاصير وغيرها من الكوارث الطبيعية، ولكن يمكن أن نستعد لمثل هذه الكوارث وما يمكن أن ينتج عنها من أزمات ونعمل، بمشيئة الله أولاً وآخراً، للتخفيف من الاضرار والحفاظ على سلامة المواطنين والمقيمين بكل ما نملك. ولأجل ذلك فالوقاية والاستعداد خير من العلاج. وكذلك الحال في التعامل مع الأزمات. ودون إغفال المسؤولية الكبرى والأساسية على عاتق الجهات المتخصصة فإن كل جهد للتعاون معهم من الأفراد مطلوب ومحمود ويمكن أن يسهم بالكثير. فإيقاد شمعة واحدة خير للمرء من أن يقضي عمره كله يلعن الظلام، أو يهزأ من موقدي الشموع !! حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين ووقانا وإياكم والجميع من الزلازل والكوارث والأزمات. وترى عزيزي القارىء في حال تم تعيينك مسؤولًا في مدينتك، فما هي أهم القرارات والإجراءات الوقائية التي ستتخذها لحماية أرواح الأهالي من الكوارث والأزمات ؟؟