عندما تنطلق الصرخات الخافتة وتشق عنان السماء، تتسلل صني سبيكر وتقترب رويداِ رويداً من مصدر تلك الصرخات وهي تمشي الهوينى وسط مهود الأطفال في حضانة رعاية الحالات الحرجة بقسم الأطفال حديثي الولادة بمستشفى بيرمنغهام التابع لجامعة ألاباما. ومع أن صني ليست بطبيبة ولا ممرضة، فهي تساعد على تعجيل شفاء الأطفال المرضى بمناغاتهم عزفاً على الجيتار وترنماً بالألحان العذبة وتغريداً بالأنغام الشجية. فقد ظلت صني تعمل منذ خمس سنوات كأخصائية علاج بالموسيقى بالمستشفى الجامعي، حيث دأبت على مساعدة المرضى على التداوي من الذبحات الصدرية والسكتات الدماغية والأمراض الأخرى. وعندما سمعت بأن الأطفال حديثي الولادة، والذين يولدون قبل مواعيد ولادتهم الطبيعية، يكونون في العادة ضعفاء لأبعد الحدود ويعانون كثيراً لكي يتنفسوا، تساءلت عما إذا كان بمقدورها مساعدتهم على الاسترخاء والتنفس بسهولة ويسر من خلال أنغام الموسيقى والعزف على الجيتار. وقد وافقت إدارة المستشفى على السماح لها بتجريب فنون العزف على آلات الطرب والنغم، وسرعان ما بدأت تعزف على أوتار جيتارها وترسل ألحان معزوفاتها أثناء بكاء المواليد الجدد. وما هي إلا دقائق معدودات ويتوقف هؤلاء الأطفال تماماً عن البكاء! لقد عقدت الدهشة ألسنة الأطباء عندما أثبتت التجارب أن الأطفال كانوا يتنفسون بمزيد من السهولة ويستنشقون المزيد من الأكسجين أثناء ترنم صني وعزفها على الجيتار. أما الآباء والأمهات، مثل ليندريا بوروغس، فقد أثلجت النتائج صدورهم وأدخلت الفرحة على قلوبهم. وقد ولدت ليندريا مولودتها كيلي مبكراً، قبل موعد ولادتها الطبيعي بعشرة أسابيع. وبلغ وزن كيلي عند الولادة ثلاثة أرطال وست أوقيات، كما بلغ الوهن منها مبلغه جراء المعاناة من التنفس لدرجة أنها لا تستطيع حتى ان ترمش بعينها الواهيتين. بيد أن عينيها جحظتا ونتأت حدقتاهما وبدا وكأنها تحاول أن تبتسم عندما بدأت صني تترنم وهي تعزف على جيتارها! ولعل الأفضل مما تقدم أن كيلي تماثلت للشفاء بأسرع مما هو متوقع لها. ذلك أن أمها ليندريا أفيدت بأن ابنتها قد تظل طريحة الفراش بالمستشفى لمدة شهرين ولكن حالتها تحسنت بسرعة حتى انها خرجت من المستشفى في ستة وعشرين يوماً فقط! أما عن الخواص العلاجية للموسيقى، فقد تحدثت الدكتورة ديفوريا لين مديرة قسم العلاج بالموسيقى بمركز آيرلندة للأورام السرطانية بمستشفيات كليفلاند الجامعية، حيث قالت:«إن الدراسات أثبتت أن الموسيقى تشجع على إفراز المواد الكيميائية الطبيعية التي تفضي إلى استرخاء الجسم وتمكن أعضاء الجسم من القيام بوظائفها بصورة غريزية. ولعل هذا هو العلاج الأفضل في أغلب الأحيان». وأضافت تقول:« إن التهويدات التي تغري الأطفال بالنوم تعد مريحة بصفة خاصة للأطفال لأنها تنطوي على أنغام وإيقاعات ذات وتيرة منتظمة ومتناغمة بحيث يمكن توقع تكررها، وهي بذلك تشبه ضربات قلب الأم». وأما صني، فهي تقول:«ليس هنالك ما هو أكثر إثارةً للرهبة من رؤية الأطفال الصغار وهم يتنفسون بشكل أسهل ويتحسنون على نحو أفضل». وأردفت صني قائلةً:«وفي بعض الأحيان يبدو وكأنهم يحاولون الترنم وترديد الألحان معي!». فيما يلي بعض الإرشادات التي تقدمها الدكتورة ديفوريا لين في هذا الخصوص: ٭ اختيار المعزوفة الموسيقية التي تتناسب مع النشاط: ينصح بتشغيل الأغاني والأهازيج ذات الإيقاع البطيء، مثل شارع السمسم(Sesame Street ( وما شابهها، أثناء أوقات اللعب. ٭ توخي البساطة: إن العزف على آلة مفردة، كالبيانو وحده أو المزمار أو الفلوت مثلاً، من شأنه استرعاء انتباه الطفل أكثر مما تستهويه الأكسترا المتكاملة. وتفضل الدكتورة لين الصوت المفرد- صوت الأم تحديداً. ٭ ضرورة ابتعاد الأب في حالة الترنم: أثبتت الدراسات أن الأطفال يتجاوبون مع صوت المرأة أكثر من تجاوبهم مع صوت الرجل، كمل تقول الدكتورة لين. ٭ يفضل الأطفال الصغار الأغاني والأهازيج المصحوبة بالتصفيق والهتاف والتردد والتصدية مع كل مقطع. ٭ سماع الأغاني التقليدية (الكلاسيكية: يشير البعض إلى أن الموسيقى الكلاسيكية تحسن مستوى ذكاء الطفل وتساعد على شحذ ذهنه. وتنصح الدكتورة لين بإثراء وجدان الطفل بمجموعة متنوعة من ضروب الموسيقى وأصناف الطرب بحيث يتراوح ذلك من الموسيقى الكلاسيكية إلى موسيقى الجاز إلى الموسيقى الحديثة.