في أكثر من قُطر عربي فشلت الهوية الوطنية الموحدة التي تجمع كل شرائح المجتمع تحت سقف المواطنة، وغدت المواطنة والانتماء للوطن شيئا يشبه مشروع الانتخابات؛ الحق فيه فقط للمنتصر، ومن سقط بها سقطت عنه امتيازات المواطنة، وإن أراد أن يدخل سباق المنافسة على خيرات البلد عليه أن يعيد إنتاج ذاته وفقا لمحددات انتمائه الطائفي أو القبلي أو العرقي، ومن لا جذور له بهذه التصنيفات أصبح مهيأً لأن يكون مشروع عمالة للطائفة التي تدفع له أكثر. مع سقوط صدام حسين 2003م من حكم العراق سقطت معه الدولة التي يحكمها المستبد، وحل مكانها الطائفة التي تحكم الدولة، فأصبحت الهيبة للطائفة والسلطة لها ولا ينازعها على امتلاك الوطن إلا طائفة تكون أقوى منها.. فالانتخابات البرلمانية العراقية 2009 التي فازت بها القائمة العراقية بزعامة الدكتور إياد علاوي لم تستطع أن تشكل حكومة وسقط عنها حقها بذلك لأنها تشكلت على اعتبارات وطنية، فكان سهلا على قائمة دولة القانون - تشكلت على أساس طائفي - بزعامة نوري المالكي أن تحل مكانها وتحكم بسبب البعد الطائفي لا غير، ودفعها انتماؤها الطائفي الى ما هو أبعد من انتزاع السلطة من التكتل الفائز، فقد قامت بدعم بشار الأسد "البعثي" على أساس اعتبارات طائفية.. فالمشهد العراقي اليوم يشرح لك تماما ما يراد أن تكون عليه الخريطة السياسية للعالم العربي في المستقبل. فحتى حركة الإخوان المسلمين تحوّلت من حزب سياسي الى طائفة يشد بعضها بعضا، فلم تعد جماعة الإخوان مشروعا يستند على مفهوم واضح للعمل السياسي يرد على السياسة بالقدر الذي يأخذه منها، فقد جعلت لها عقيدة انتماء لا تخضع لمحددات الدين ولا المواطنة، واعتبرت من أجل هذا الانتماء أن كل مخالف لها بتوجهه عدواً لها يجب إقصاؤه حتى لو كان هذا المخالف شريكا لها بطلعاته للمشروع الإسلامي مثل "الجماعات السلفية" فاندفاع الجماعة نحو السلطة والتفرد بها جعلها أقرب لمفهوم الطائفة من مفهوم الحزب السياسي الذي يؤمن بالمشتركات الوطنية ويختلف في البرامج السياسية، فالطائفة دائما ترى نفسها أنها هي النخبة القائدة الوحيدة القادرة على الحفاظ على الدين والدولة والشعب وغيرها من المجموعات السياسية هي الخطر المبين، ولهذه الأسباب يجب تغيير مسمى "جماعة الإخوان" إلى "طائفة الإخوان". فحتى نعرف أسئلة الهوية العربية جيدا، هل علينا أن نتعلم من إسرائيل مفهوم الدولة الطائفية الحضارية، ولكن هل ترضى أن تعلمنا ذلك بعد أن تعلمت علينا؟