يعمل محمد حسين شمس الدين في الأضواء الخافتة، هو يكتب ويعبر عن رأيه بهدوء وبرزانة وبعقل راجح. دوماً يُقرأ له رأي في الصحافة المحلية، رأي غير استفزازي وغير منحاز الى التعصب ضد خط الاعتدال النخبوي داخل الطائفة الشيعية، التي تبين في الفترة التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أنها لا تقف ضمن الحيز الواسع للحركة الاستقلالية، التي جمعت الطوائف على رأي واحد من استقلال لبنان. على أثر ما حصل من استبعاد وتهميش للدور الشيعي في الاستقلال برز «اللقاء الشيعي» اللبناني كمحاولة تصويبية من قبل مجموعة، غير قليلة من النخب الشيعية، للقول بأن الشيعة ليسوا خارج الإجماع الوطني. ومحمد حسين شمس الدين واحد من الذين صاغوا بعناية وبقناعة هذا المشروع الذي عبر في نهايته عن فريق كبير ضمن الطائفة الشيعية غير منقاد بالكامل للوصاية السورية التي فرضتها على الطائفة الرموز الشيعية الموجودة في السلطة برعاية من الوصاية السورية. هذا الحديث مع محمد حسين شمس الدين يفسر الى حد بعيد هدف «اللقاء الشيعي» الذي تحقق وما ستليه من أهداف يمكن لها أن تتحق في المستقبل القريب: ٭ بعد أن توصل اللقاء الشيعي اللبناني فعليا الى الهدف الذي كان يبتغي الوصول اليه، وهو إخراج صوت شيعي غير مرتهن للشيعية الرسمية الموالية بالكامل للسلطة السورية. ما هي الخطوات اللاحقة المنوي اتخاذها شيعياً ووطنياً؟ - انطلق «اللقاء الشيعي اللبناني» في 21 نيسان/أبريل الماضي من اجتماع حاشد في الكلية العاملية، برعاية العلامة الشيخ محمد حسن الأمين. ضم الاجتماع نحو خمسمائة شخصية شيعية لبنانية، سياسية وثقافية واجتماعية ومهنية، ومن مختلف مناطق تواجد الشيعة اللبنانيين (الجنوب، البقاع، بيروت، جبل لبنان). كان الهدف من اللقاء، بحسب وثيقته الأولى التي أطلقها الشيخ الأمين، هو أن يقول كلمته حول انتمائه الشيعي في إطار الوطن اللبناني وتحت مرجعية الدستور واتفاق الطائف اللذين شكلا الإطار التوافقي التعاقدي بين جميع اللبنانيين لانتظام عيشهم المشترك في ظل دولة ديمقراطية واحدة، سيدة حرة مستقلة، وفي ظل وطن نهائي لجميع أبنائه عربي الهوية والانتماء. وفي هذا السياق أراد اللقاء الشيعي اللبناني أن يذكِّر بأن تعبير «لبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه» إنما هو (أي التعبير) صيغة بادر إليها الشيعة اللبنانيون عام 1977 ، من خلال ما عرف بوثيقة الوفاق الوطني الصادرة في ذلك العام عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان برئاسة الشيخ موسى الصدر. ثم إن تلك الصيغة ما لبثت أن أصبحت واحدة من «الثوابت الإسلامية في لبنان» التي أجمعت عليها المرجعيات والقيادات الإسلامية اللبنانية (سنية وشيعية ودرزية). اعتباراً من العام 1983 ، الى أن دخلت تلك الصيغة صُلب اتفاق الطائف والدستور اعتباراً من 1989 - 1990. كذلك كان من أهداف «اللقاء»، لحظة انطلاقته، رفع التشكيك الذي لحق بالطائفة الشيعية في لبنان نتيجة موقف قيادتها السياسية في السلطة (حركة أمل وحزب الله) من الحدث الاستقلالي الكبير الذي انطلق بقوة على أثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتجلى بخروج مليون ونصف مليون لبناني من جميع الطوائف والمناطق الى قلب العاصمة مطالبين بالاستقلال الناجز وبمعرفة الحقيقة حول جريمة الاغتيال. إن موقف القيادة السياسية الشيعية أوحى للبعض أن جمهور الطائفة الشيعية منحازٌ لاستمرار الوصاية السورية، ومتضررٌ من حدث الاستقلال. وهذا غير صحيح على الإطلاق، ويتنافى مع اختيارات الشيعة اللبنانيين ومصلحتهم في اعتبار الطائفة الشيعية جزءاً أساسياً من النسيج الوطني اللبناني ومن التعاقد الحر في إطار الكيان النهائي والدولة المستقلة. وفي هذا السياق أيضاً أراد «اللقاء الشيعي اللبناني» أن يؤكد على أن الشيعة اللبنانيين، وإن كانوا يمتون بصلة ثقافية الى مجمل الشيعية في الوطن العربي والعالم، إلا أنهم لايتطلعون الى أي مشروع خاص بهم داخل وطنهم، بل يعتبرون أنفسهم جزءاً من المشروع الوطني الذي تتوافق عليه الفئات المختلفة في لبنان. وعلى هذا فإنهم يتمنون على إخوانهم في سائر أنحاء الوطن العربي أن يكونوا جزءاً من مشروع الوطن العام في بلدهم، ملتزمين به ومحافظين عليه. على صعيد إعلان الموقف العام، يمكن القول ان «اللقاء» حقق هدفه من خلال إسماع صوته ومن خلال التجاوب الواسع مع هذا الصوت. أما هدفه فلا يقتصر على هذا الأمر. فقد أعلن اللقاء أنه يسعى الى إطلاق دينامية تفاعل وحوار داخل الطائفة الشيعية وفي علاقتها مع الشركاء في الوطن، في إطار المفاهيم الميثاقية اللبنانية وبما ينسجم مع حقيقة الموقف الشيعي الموسوم بالتنوع والديمقراطية والولاء للبنان. وفي هذا السبيل تشكلت لجنة متابعة موسعة، من مختلف المناطق اللبنانية، للعمل على صعيدين: صعيد تفعيل الأنشطة الحوارية في المناطق، وصعيد التلاقي والتفاعل مع مختلف القوى السياسية التي يجمعها الخط الاستقلالي الميثاقي، كما يجمعها هدف إعادة بناء الدولة على أسس الديمقراطية والمشاركة والحداثة والعدالة الاجتماعية. ٭ تضمن اللقاء عددا من الأسماء التي لم تكن طوال تاريخها تنادي بالطائفية، ما هو الهدف الذي جمعها الى بعضها، خاصة وأن اللقاء هو مجموعة من اليساريين والقوميين والمثقفين المحايدين؟ لا ينادي «اللقاء» بالطائفية، بل ينطلق من الواقع الطائفي نحو تعبير وطني. فالمشكلة في لبنان لم تكن يوماً في الواقع الطائفي التعددي، بل في التعبيرات الطائفية المنكفئة على ذاتها، بحيث تشكل هذه التعبيرات عامل تفرقة. إن الوطنية في لبنان لا تعني الخروج من الطوائف، بل تعني تحديداً الدفع بخيارات الطوائف نحو المشترك الوطني الميثاقي. ذلك أن مفهوم الوطنية في لبنان هو مفهوم مركب، لا يجوز تجريده من مكوناته، كما لا ينبغي أن ننأى بأنفسنا عن هذه المكونات بدعوى الترفع عن دوائر الانتماء الضيقة. فإن تكون شيعياً أو سنياً أو مارونياً لا يتنافى مع كونك لبنانياً ومسلماً (أو مسيحياً) وعربياً وإنسانياً.. إلخ، في آن معاً. المسألة هي في التوفيق بين دوائر الانتماء الطبيعية والمشروعة، وليست في البحث عن إلغاء بعضها لحساب البعض الآخر. ٭ جوبه اللقاء بحركة اعتراضية من أصوات نخبوية شيعية بين يساريين من موقعهم في اليسار، ونخب شيعية من موقعها وتقاطعات علاقاتها ومصالحها داخل الطائفة نفسها، ما هي الأسباب الاعتراضية التي حدت بهؤلاء الى مقاطعة اللقاء ومن ثم الهجوم عليه، وكيف تفسر الاتهامات التي أكالها البعض للقاء؟ جاء الاعتراض على «شيعية اللقاء» من موقع يساري استند الى مقولات يسارية قديمة ترى الى التعبير الطائفي تعبيراً متخلفاً أو ارتكاسياً في مطلق الاحوال. هذه النظرة الانسحابية التطهريّة أدت باليسار اللبناني خلال العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل، الى مفارقة ذات وجهين: ضعف قدرة اليسار على الفعل في المجتمع اللبناني من جهة، ثم اندراجه القسري في الانقسام الطائفي أثناء الحرب من جهة ثانية بالرغم من ادعاءاته اللاطائفية. بالمناسبة، هناك يساريون كثر، خصوصاً أولئك الذي أعادوا النظر في أدواتهم التحليلية وفي فهمهم التقليدي للواقع اللبناني، وجدوا في شيعية اللقاء ملمحاً إيجابياً وليس العكس. أما الاعتراض الآخر، من موقع شيعي طائفي ، فقد جاء تحديداً من حزب الله بالدرجة الأولى. وهذا الاعتراض ذهب الى القول بأن أي تعبير شيعي من خارج الحزب وحركة أمل في هذا الوقت من شأنه إضعاف الموقف الشيعي العام الذي يعبر عنه الحزب ويستلحق به الحركة. نحن نعتقد بأن مثل هذا الموقف إنما يصدر عن رغبة في مواصلة عملية الاحتكار والمصادرة التي قام بها حزب الله وحركة أمل داخل الطائفة الشيعية خلال الفترة الماضية وبرعاية سورية مباشرة. وقد ظهر ذلك بصورة جلية يعرفها جميع اللبنانيين في الانتخابات النيابية الثلاثة ما بين 1992 و 2000 ، كما في الانتخابات البلدية، فضلاً عن المواقع الإدارية في الدولة. أما الاتهامات العشوائية الجاهزة فقد جاءت من قبل أقلام معروفة الارتباط بالأجهزة الأمنية السابقة التي يجري الآن ترحيلها عن مواقعها تمهيداً لمساءلتها بعد جريمة اغتيال الرئيس الحريري. ٭ الى أي حد تمكن اللقاء منذ انعقاده ولغاية اليوم من اختراق الحالة الشيعية التي كانت مرهونة طوال فترة الحرب والسلم، وما هو المنطق الاختراقي للطائفة الذي تم تكريسه من قبل هذا اللقاء؟ - منطق «الاختراق» لا ينطبق على حركة اللقاء الشيعي اللبناني. فهو من صلب النسيج الشيعي الثقافي والديمغرافي، كما انه يعبر بوضوح عن التزامات الطائفة الشيعية في إطار العقد اللبناني ممثلا باتفاق الطائف والدستور. المهم أنه يتصدى بالموقف والمنطق والحوار لأي انحراف عن تلك الإلتزامات المعروفة. فهو بالتالي لا يمثل اختراقا، بل يسعى الى تصويب المسار والخيارات العامة. كذلك فإنه لا يسعى الى اقتطاع مساحة شيعية، بل يتوجه الى كل الشيعة في مواقعهم المختلفة. ٭ ألا يجدر وفق هذه الإجابة أن يعمل اللقاء على التنسيق أو فتح المجال أمام تنسيق من نوع ما مع بقية القوى الوطنية الأخرى؟ - إن شيعية اللقاء ليست هدفاً بذاتها، بل هي منطلق واقعي تحتمه ضرورات الفاعلية والجدوى. أما هدفه فهو بحسب فهمي وتقديري، أن يكون من ضمن تيار لبناني واسع ومتنوع، استقلالي ميثاقي ديمقراطي وتحديثي، يشكل رافعة تاريخية لإعادة البناء بعد الحرب. والحال كذلك من البديهي أن يتوجه اللقاء للحوار والتنسيق مع جميع القوى السياسية والاجتماعية التي تلتقي على هذا الهدف الوطني الكبير، من دون ان ينسى دوره داخل البيئات الشيعية في الاتجاه نفسه. ٭ لهذا، ألا توجد لدى اللقاء أهداف انتخابية معينة أو تحالفات؟ أعتقد أنني بينت بشكل عام أهداف اللقاء الأساسية. بطبيعة الحال عليه أن يتعاطى الشأن الانتخابي باعتباره الآلية الديمقراطية الرئيسية للتغيير والتطوير وإنتاج السلطة على جميع المستويات. ومن نافل القول ان وجهته الانتخابية وتحالفاته ستكون في إطار الخط العام الذي رسمه لنفسه على الصعيدين الشيعي والوطني. كما سيعمل اللقاء على كسر الهيمنة والاحتكار التمثيلي للطائفة الشيعية، وسيكون بالتأكيد معارضاً لأي قانون انتخابي يعيد إنتاج الهيمنة والاحتكار من خلال العملية الديمقراطية.