الطرقة التي غطيت فيها تفجيرات لندن إعلامياً لم تأت مفاجأة لأي منا، فالسيناريو المتبع في تسلسل الأخبار والتقارير لمثل هذه الأحداث مكرر ومستفز. فأولاً تسمع بخبر التفجير، ثم يُعلن بعد دقائق عن أشخاص مجهولي الهوية - يحملون أسماء توقف تداولها بيننا منذ زمن بعيد - يعلنون مسؤوليتهم عن التفجير عبر موقع مغمور عبر الإنترنت. وتهز أمريكا رأسها لتعيد وتؤكد على مصداقية توجهها في «الحرب على الإرهاب»!!.. ثم تبدأ المنظمات الإسلامية في دول أوروبا بالتحرك سريعاً لنفي التهم عنها - قبل أن توجه إليها أصلاً. وتطفو إلى السطح القصص التي تثير خوف المسلمين من أعمال العنف الموجهة ضدهم، وتضخم إعلامياً لدرجة تدفعنا إلى مزيد من الاستفزاز.. وتنتعش الأقلام الغربية المتطرفة في استغلال الحدث لنسج مقالات «الخيال العلمي» عن الإسلام والمسلمين، وتطالب بتفعيل «صدام الحضارات» لخلق مزيد من الفتن. ونرى توماس فريدمان، الكاتب الأمريكي في نيويورك تايمز يتحمس للقضية البريطانية وكأنها تعنيه وتمسه شخصياً!! ولا يخفى على أحد أن هذه الموجة الإعلامية ليست إلا زوبعة في فنجان، فالمعروف عن بريطانيا أنها من أقدم العواصم الأوروبية التي دخلها واستقر فيها المسلمون عامة والعرب خاصة واستلموا مناصب وأدواراً مؤثرة في الحياة العامة والاقتصادية والسياسية. وتداخلوا مع المجتمع بسهولة وسرعة، كما أن المجتمع البريطاني اندمج معهم أيضاً. على عكس المجتمع الأمريكي الذي يجبر الآخرين على الانسجام مع طريقته وليس العكس. كما أن لندن هي من أكثر المدن انفتاحاً على الثقافات والتيارات بتنوعها، ولن تغير أحداث العنف هذه في الطريقة التي يتعامل فيها المجتمع مع فئة عاشت داخلها وتبادلت المصالح معها لأكثر من سبعين عاماً!! وإذا لا يستطيع المليار نسمة من المسلمين أن يوقفوا الفتنة الإعلامية التي تستهدف الإساءة إلى الدين، فعلى الأقل عليهم أن يلعبوا دوراً أكثر فاعلية وقوة في التعامل معها. فلهجة الاعتذار المستمرة ونفي التهم عن الإسلام في كل انفجار يحدث في الكرة الأرضية لم يعد مجدياً. فكلنا نعرف بأن من يقف وراء هذه الأحداث إنما يمثل نفسه فقط ويخدم أهدافه ومصالحه الخاصة. حاله كحال أي جماعات إجرامية أخرى، سواء كانت عصابات منظمة للجريمة من قتل وسرقة ومخدرات وتجارة سلاح، أو مافيا أو غيرها كثير. ولو نُسبت أي عصابة نفسها إلى الدين الذين تتبعه أو الدولة التي تنتمي لها، لتحول العالم إلى ساحة معركة كبيرة. [email protected]