في ليلة تجلّت فيها إنسانية الشعر وشاعرية "مُهندس الكلمة" نظّمت جمعية (سند) الخيرية لدعم الأطفال المرضى بالسرطان ليلة اول امس أمسية شعرية لصاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن على مسرح مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، وبدأت الأمسية التي يعود ريعها لصالح أطفال الجمعية بترحيب مُقدم الأمسية الإعلامي فهد الثبيتي بالحضور ثم تحدث عن الدور الإنساني العظيم للجمعية وعن دور صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز في الوقوف خلفها ودعم أنشطتها، ثم عُرض فيلمٌ وثائقي حول جمعية (سند) ورؤيتها وأهدافها والخدمات التي تُقدمها وكذلك أبرز البرامج التي تُقيمها. بعد ذلك مهّد مُقدم الحفل لانطلاق الأمسية بكلمة جميلة استعرض فيها أبرز إبداعات مُهندس الكلمة، ثم استُقبل البدر بترحيب الجمهور وبدرع قدمه له أطفال الجمعية شكراً وعرفاناً على حضوره ودعمه، واستُهلّت الأمسية بشكر الشاعر للجمعية على دورها وبتهنئة خادم الحرمين الشريفين على سلامته بنص (سلامة الحب كله): سلامة الحب كله سلامة الشوق كله سلامة الشمس ونجوم السما من كل علة سلامتك يا دفا هذا الوطن وأنواره وظله سلامة المجد، كل المجد عبدالله البدر يلقي إحد قصائده وذكر البدر في بداية حديثه أن الشاعر لا يستطيع استدعاء الشعر بقدر ما يستطيع انتظاره، وأنه تمنى أن يكتب جديداً لهذه الأمسية لكنه وجد الشعر مشغولاً عنه لأن الشعر "كالمطر الذي نستطيع توقعه ولكن لا نستطيع أن نضمن وقوعه": يا صاحبي الشعر قل في عيونها بيتين وأوصف هدبها العتيم الناعس الساحر والله لو ما كتبت عيونها هالحين لأخاصم الشعر كله وأترك الشاعر استعاد البدر في هذه الأمسية ذكريات رحلته الطويلة مع الشعر والتي امتدت لأكثر من أربعين عاماً بدأها في السابعة عشرة من عمره، وذكر أنه أدرك منذ مرحلة مُبكرة أن الكتابة هي المجال الوحيد الذي من الممكن أن يتميز فيه وأنه سعى جاهداً لتحقيق المجد من خلال الكتابة، وذكر أن قصيدة (عطني المحبة) هي التي عرفت الجمهور به كشاعر، وأضاف أن القصيدة التي أسست لكل ما حققه بعد ذلك في الشعر الغنائي هي قصيدة (ليلة تمرين) وأنها تُعد بداية مرحلة جديدة في الشعر الغنائي السعودي. أطفال الجمعية يقدمون درعها لسموه تحدث البدر أيضاً عن قضية التحديث في مضمون القصيدة الشعبية واستشهد عليها بقصيدة قديمة له هي (الشفق) التي يقول في بعض أبياتها: أول اليوم عانقت الشفق وآخر اليوم عانقني شفق وأنا بين التلاقي والفراق أدفن العمر وأحفر لي نفق يا حبيبي وأنا مثلك غريب عن حمى النوم غربني أرق ولا جمعني بك الموعد لمحت ألف نجمٍ توهج واحترق ثم تحدث عن طبيعة الشاعر المختلفة في بحثه الدائم عن غير المألوف وذكر أن الشعراء لا يخافون من الموت بقدر خوفهم من النسيان، لذلك فهم يكتبون القصيدة لأشخاص لم يولدوا بعد، وتطرق بعد ذلك لذكريات مرحلة الشباب مُعتبراً أن الكتابة عمل وطموح وإنجاز خلافاً لما تعتقده شريحة واسعة من المجتمع، ثم أورد مقطعاً من رائعته (البتول): أتذكّر في عين الشمس طفلٍ خجول شالته في هدبها وقت لين اشتعل أعجب الناس وهجه بالجدل والفضول ما دروا عن (جمال الجرح) لين إندمل والله اني كتبته فالعطش والذبول لين غصنه تعدل بالورق واعتدل والله إني كتبته لين قال الجهول والله إني كتبته وانتشى واحتفل ما أتفه الشعر كانه هالحكي اللي نقول لا تعدى المديح ولا تعدى الغزل ألتفت للطريق وما عبر منه زول في جفوني تزاحم عبرتي والوجل طلت يالعمر والا قلعتك لا تطول طاولتنا الليالي بالسهر والملل ثم تحدث عن قصيدة التفعيلة وخصائصها وتجربته في كتابتها وعن التلقي السلبي أو الرفض لها من قبل البعض، وأورد مقاطع من قصيدة (فصول ومناجل) وقصيدة (الغدير) التي اعتبرها البدر أهم قصيدة كتبها في التفعيلة وأضاف أنها الأهم في تجربته كاملة، ثم ختم الجزء الأول من الأمسية بنص غنائي جديد مطلعه: "باقي مني ليل، وباقي ضي نجمه ما ذبلت". في مُنتصف الأمسية أجاب الأمير بدر بن عبدالمحسن عن أسئلة الجمهور ثم استهل الجزء الثاني منها بمقاطع من قصائد غنائية مُتعددة أبرزها: (رسالة إلى من يهمها أمري) و(جمرة غضا) و(المسافر) و(المزهرية) و (المحبة أرض) و(كل ما أقفيت) و(صوتك يناديني) و(الفجر البعيد) و(مجنونها) و(لك الله يالعاشق المحروم) و(عطش قلبي) و(لا تعلمني): ليه أحس إني وأنا اشوفك حزين وقلبي الليله بهمي ممتلي كانها الفرقا طلبتك حاجتين لا تعلمني ولا تكذب عليّ خلني ما بين شكي واليقين السكوت رضاي عنك وزعلي باكر اللي خافيٍ لازم يبين والوعد بلقى مكانك به خلي انتقل البدر بعدها للمساحة الخضراء ولقصائد الوطن وذكر أن (فوق هام السحب) هي هام قصائده الوطنية وأورد عدداً من المقاطع من قصائد وأوبريتات وطنية عبّر عن اعتزازه بها: يا وطن من سوى ربك عظيم ومن سوى الله يوصف بالكمال ولو على الأرض جنات ونعيم جعل تفداك يا شهب الرمال والله انا نشم بك النسيم زعفران وعطر ورد وهال أنت الأول والآخر والحشيم وأنت من تملك قلوب الرجال نحمد اللي جعل شحك كريم ونحمد اللي جعل شمسك ظلال ما جفيناك في الوقت القديم ولا خذلناك في عسر الليال واختار البدر مقطعين شعريين من رواية (توق) التي قال إن كتابتها استغرقت منه ثلاث سنوات: كل ما قلت أدهر القلب من نبت الجروح طاحت حروفٍ بصدري مثل وبل المطر وانبتت عقب القحط عشب وأزهارٍ تفوح بعطر من فارقتها عمر يفداها العمر ما يروح الحب لو كان من يعشق يروح كل ما زاد في غيابه عن الغالي حضر ثم ألقى البدر ثلاث رثائيات حزينة في أصحاب السمو الأمراء: سلطان ونايف وسطام أبناء الملك عبدالعزيز رحمهم الله، وختم الأمسية بقصيدتين إحداهما في خادم الحرمين الشريفين والأخرى في الوطن، وأُعلن عن نهاية الأمسية وبدء المؤتمر الصحفي الذي حضره حشد كبير من الإعلاميين. من أجواء المؤتمر الصحفي والأمسية: تميّزت هذه الأمسية بمزجها بين السيرة الشعرية والإبداع الشعري. أكد الشاعر في إجابته عن أكثر من سؤال وجه إليه حول وفرة بعض المفردات في أشعاره كالليل والشمس بأن تكرار الكلمات لا يكون ذا قيمة إذا لم يوظف توظيفاً جيداً ومختلفاً في كل مرة. وذكر أنه كان لحركة الحداثة في الشعر العربي ولشعرائها كالبياتي والسياب وصلاح عبدالصبور تأثير كبير على تجربته الشعرية وأن التأثير الأقوى كان لنزار قباني. نفى البدر أن يكون له حساب شخصي في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر). أجاب البدر عن سؤال الناقد إبراهيم الشتوي حول إمكانية خوض تجربة الكتابة المسرحية بعد كتابة القصيدة والرواية بالقول إنه أمر مُمكن التحقق متى ما كان هناك اهتمام أكبر بالمسرح. وصرّح أن هناك مشروعاً لتوثيق جميع ما كتبه في موقع رسمي، وأن هناك نصاً غنائياً جديداً سيجمعه بفنان العرب محمد عبده