لا ندري فيما إذا كانت حالة الاضطراب في العراق، ستحوله إلى بؤر توظفها عدة جهات لخلق فوضى داخلية وخارجية، إذ إن الحكومة الراهنة قد تفقد سيطرتها على العديد من المناطق الحساسة سواء في كردستان العراق، شبه المستقلة، أو في الأنبار، حتى إن التهديد بتهجير السنة من بغداد لا يُنظر إليه كفرقعة إعلامية، بل سيكون جزءاً من مخطط لسيطرة طائفة واحدة تدين للسلطة الموجودة، وهو ما ينذر بتخطى الواقع بدلاً من الاحتكام إلى العقل بتعزيز الوحدة الوطنية، واعتماد أسلوب ستالين في تهجير الأقليات والقوميات، وهو فعل جاءت نتائجه معاكسة على الاتحاد السوفياتي كله.. من مصلحة العراق أن يستقل بقراره، ولا يكون مجرد تابع لإيران في أحكامه وسلوكه، ولعل هستيريا (واثق البطاط) مؤسس وقائد ما يدعي أنه يملك قوة هائلة بما يسميه جيش المختار التابع لحزب الله العراقي، والذي أعلن في تصريح له تهديد المملكة والكويت ودول خليجية أخرى بإعلان الحرب عليها وتحريرها من أعداء الإسلام، ودون إبداء أي اعتذار أو احتجاج من الحكومة، ضد رئيس منظمة يخترق صلاحياتها ويتجاوزها بمفاهيم مجنونة، وقد تكون هذه الفرقعات استنساخاً لتهديدات إيران بضرب المدن الأمريكية، وإنهاء أسطورة إسرائيل، لترى حكومة المالكي رد الفعل من هذه الدول، ومدى فزعها من هذا الجيش الجديد.. العراق احتلته أمريكا ضمن هدف تمزيقه، لأنه كان يجسد القوة العربية أمام إيران، وخشية أن تتطور إلى رادع ضد إسرائيل، ولذلك كانت المستفيد الأول من حالته الراهنة، والمشكلة الطائفية في العراق أنها ذهبت إلى أقصى حد في محاولة قطع الصلة مع أمته العربية وتشكيل محور سوري علوي مع إيراني، عراقي شيعي، وهي ليست إرادة العراقيين حتى من بين الشيعة العرب الذين يعرفون أن هذا المسعى يأتي على حسابهم، لأنهم في القائمة القومية المتدنية قياساً للقومية الفارسية، ومحاولة استخدامهم مرحلياً في تمرير أهداف إيران التي تلتقي نقاطها مع رغبة الحكومة القائمة.. سياسة الإقصاء والإبعاد، والسجون والحرب على الهوية، أساليب قد تنجح في مرحلة ما، لكن الوضع القائم فتح النار مع الشعب كله، عندما استشرى الفساد والمحسوبيات، وباتت المطالبة برحيل المالكي هدفاً عاماً، وعندما يدّعي أنه سيحاسب من يشعلون نار الطائفية لا يستطيع أن ينفي عن نفسه طائفيته، وهي متعلقة في بنيته الفكرية والتربوية، وهذا لا يساعد على التعايش بين طوائف العراق وقومياته وإثنياته.. مسألة تهديد البطاط لا تؤخذ بمداها البعيد، لكن أن يتحول نسخة أخرى من حزب الله اللبناني الذي أصبح على قائمة المنظمات الإرهابية المصنفة عالمياً، فإنه قد يأخذ بنفس الأساليب والعقيدة، لكن ما هي انعكاساتها على العراق الدولة والوطن إذا ما تحول التهديد إلى جدية التحزيب؟ قطعاً هذه الدول لن تكون جداراً قصيراً، أو لعبة للإرهاب، بل ستملك حق الدفاع عن نفسها بوسائلها المتاحة، وقد ينعكس سلباً على علاقات هذه الدول مع العراق وهو ما لا يخدم أياً منها، بل إن الوضع العراقي الهش قد يصبح مشكلة معقدة إذا ما تم تجنيد القوى الداخلية وتعزيزها في مواجهات قد تعقد كل الأمور..