زيادة كلفة المعيشة، أصبحت في السنوات الأخيرة تؤرق الكثير من الأسر. وفي مسألة الغذاء أصبحت المشكلة تطال سلة غذاء تتعرض لارتفاع مستمر.. يستحوذ على نصيب رئيسي من ميزانية أيه أسرة. وبحسب دراسة أجراها الدكتور حسن أبو ركبة عن سلوك المستهلك السعودي، فإن ما بين 40 و60 في المئة من دخل الأسرة السعودية السنوي ينفق على الغذاء، وهناك تقديرات ان كلفة الانفاق على الغذاء في المملكة خلال العام الماضي 2012 وصلت الى 80 مليار ريال. توفير اقتصاديات تعاونية سيعود على قطاع مجتمعي أكبر بالفائدة والمشاركة، حيث تتجاوز عوائدها توفير السلع الغذائية بأسعار مناسبة إلى رفع القدرة على الادارة الذاتية لتلك المشروعات الرأسمالية / الاجتماعية ومراكمة الخبرة وحصد جزء من عوائد فاتورة الاستهلاك التي أصبحت قصراً على شركات الاستيراد وقطاع التجزئة وفي مطلع هذا العام اعترفت وزارة التجارة والصناعة بوجود ظاهرة ارتفاع في الأسعار انتشرت في الفترة الأخيرة، وبأنها غير مبررة.. وفي دراسة حديثة لعام 2012 نشرت صحيفة الاقتصادية نتائجها اوضحت ان إيجارات المساكن في المملكة تستقطع ما بين 40 و60 في المائة من مرتبات الموظفين السعوديين. ووفقا لهذه المعدلات في الانفاق على السكن والغذاء سنكون أمام معادلة صعبة لإدارة دخل أسرة متوسطة الحجم ومتوسطة الدخل ايضا.. فكيف ستكون الحال مع أسر وضعها المادي غير مستقر وربما تكون على حافة الفقر؟! الغلاء سمة عالمية طالت اشياء كثيرة خلال السنوات القليلة الماضية ولازالت. لسنا وحدنا من نعاني منه. إلا ان البحث في الوسائل التي تعيد القدرة على السيطرة على أسعار سلع استهلاكية أمر لابد منه، وكذلك الحد من آثار ارتفاعات قادمة للغذاء كما تشير معطيات وبيانات دولية يجب التعامل معها بجدية. لماذا يكتفى بدور شركات القطاع الخاص لتوفير السلع الاستهلاكية مع امتياز الدعم الذي يطال استيراد بعض السلع الاساسية؟ أليس من الممكن أن يكون اتحاد جمعيات تعاونية استهلاكية ذراعا لاستيراد السلع الاساسية من مصادرها، ليتم توزيعها على مراكز تلك الجمعيات مع نسبة تتحرك وفقا لسلم الكلفة بحيث لا تزيد على كلفة التشغيل وتوزيع بعض الارباح البسيطة على المساهمين من المواطنين في تلك الاحياء أو المدن الصغيرة؟ وهذه الجمعيات يجب أن تكون موجهة لتوفير سلة غذائية أساسية دون ان تحاول ان تكون شبيهة بالمراكز التجارية الكبرى اليوم التي توفر قائمة كبيرة من السلع والكماليات، إلا أنه ليس بالضرورة ان تكون جزءا من احتياجات اسرة متوسطة تحاول الوفاء بسلة غذاء جيدة دون ان يكون توفيرها عرضة لاستهلاك الدخل الذي قد يقصر في بعض الاحيان عن مواكبة تلك الارتفاعات المستمرة. الانحياز للاقتصاد الحر لا يعني الاستسلام للاحتكار. ولا يعني الوقوع في براثن الجشع الذي يستبد ببعض الموردين والتجار، ولا يجب ان يذهب الدعم إلى مجموعات وبيوتات وشركات مهما حاولت أن تجمل واجهة مشروعاتها بمهرجانات تخفيضات تذر الكثير من الرماد في عيون المواطنين البسطاء.. الذين يبحثون عن الوفاء باحتياجات لابد منها، ولا يمكن ان تكون لها بدائل.. إنه الغذاء أولا وأخيرا. صناعة البدائل ليست مهمة فئات اجتماعية تقع تحت ضغط الحاجة، إنما توفير هذه البدائل سيمكن هذه الفئات من الانحياز لها، طالما كانت تتمتع بجودة واسعار أرخص وعائد يطال مجموعا سكانيا يحاول ان ينشط عملية تعاونية لتوفير احتياجاته اليومية. لازالت هناك يافطات قديمة في بعض المدن تحمل عناوين سوق الجمعية التعاونية، ولكنها تكاد تكون في عداد المخازن الصغيرة التي لايمكن ان تنافس أي سوق مركزي متوسط الحجم أو حتى بقالة كبيرة مما تضيق بها شوارع مدننا.. كما أنها لا تتميز عنها لا من حيث الاسعار ولا من حيث الجودة والتخزين. إنها بقايا سمة مرحلة لوزارة الشؤون الاجتماعية التي كانت من أبرز وأهم الوزارات وأكثرها فاعلية في مرحلة الستينيات عندما استلمت مجتمعا بسيطا وعملت على نقله عبر مراكز الخدمات الاجتماعية والجمعيات التعاونية بأفكار خلاقة ساهمت في تأسيس جيل حمل على عاتقه فكرة العمل الجماعي التعاوني ودوره في خدمة الوطن والمواطنين.. إلا ان هذا الدور تراجع وانحسر ولم يستمر تحت ضغوط الوفرة والطفرة والتحولات الاجتماعية منذ منتصف السبعينيات. ربما كان علينا ان نفكر مجددا في استعادة فكرة الجمعيات التعاونية من خلال رؤية جديدة تأخذ بالاعتبار التغييرات الهائلة في المجتمع. توفير اراض كبيرة في مواقع مميزة في احياء المدن الكبيرة لبناء مجمعات استهلاكية ستكون مهمة حكومية ليأتي بعد ذلك الدعوة لإنشاء جمعيات تعاونية يساهم فيها سكان الحي او المدينة الصغيرة مع توفير دعم لإنشائها تقدمه الجهة او الوزارة المعنية.. ويأتي دور الموردين المعتمدين لسلع محددة بحيث يتحول الدعم للجمعية وليس للمورد وسيكون عليها ان تبحث عن افضل الخيارات لتوريد السلع بأسعار أقل وبجودة منافسة. هذا التوجه لا يعني إلغاء أو تهميش القطاع الخاص، ولكنه يفتح خيارات للمواطنين تجعل المنافسة قوية وهامش الربح أقل، وتجعل الانصراف للجمعيات عنوانا مهما في عمل تعاوني يُمكِّن من الوفاء بسلة غذاء وبأسعار معقولة وبرؤية تجعل العمل في هذه الجمعيات قصرا على المواطنين والمواطنات.. كما يُمكِّن من افتتاح مراكز صغيرة للمشغولات والاسر المنتجة داخل تلك الاسواق ما يشجع ادماج المجتمع في عملية تبادلية بين المنتج والمستهلك. اقتراح تكوين هيئة وطنية لدعم المجمعات الاستهلاكية التعاونية، تعمل على رسم ملامح مشروع متكامل يأخذ بالاعتبار احتياجات السكان، وأهمية توفير الغذاء والسلع الاستهلاكية الاساسية بهامش ربح معقول وتوجيه الدعم لمستحقيه.. ربما كان الخطوة الاهم لوضع هذا المشروع في صلب تنمية ومواجهة غول السوق المنفلت الذي لا يرحم. وحتى لا يصبح هناك تجاوز على حق المحتاجين للدعم مقابل أهل الكفاية، يمكن توزيع كوبونات بسلة غذائية شهرية تمكن اصحاب الحاجات منها بأسعار خاصة بتلك الفئة أو حتى مجانية، وتعمل الحكومة من خلال صناديق الدعم على الوفاء بتلك الكوبونات للجمعيات الاستهلاكية.. كما يحدث في الكثير من بلدان العالم الذي تبنى مفاهيم السوق الحر، ولكنه لم يهمل جزءا من المجتمع يقع تحت ضغط الفقر وانعدام القدرة على تحقيق الكفايات. الجمعيات التعاونية جزء من مؤسسات مجتمع مدني يتجاوز دورها حلقة توفير سلع أو متطلبات استهلاكية او احتواء منتج محلي او أسر منتجة.. إنه قائم على اعتبار أن هناك مجموعا سكانيا شريكا في المسؤولية وفي التمويل وفي إطار الخدمة الاجتماعية العامة التي تراعي مسألتين: توفير السلع الاستهلاكية لمجموع سكاني بأسعار منافسة ومدعومة لتخفف عن كاهله عبء فاتورة الغذاء.. ومن جهة أخرى القدرة على الادارة الذاتية عبر جهد تعاوني ينمي في سكان المنطقة أو الحي او المدينة الصغيرة الحس التجاري والادارة الذاتية ويراكم الخبرة ويضيف الى المجتمع مجالا جديدا للتوظيف عبر قصر تلك الوظائف على السكان وينمي عائد الافكار المبتكرة محلياً في توفير المنتج والتسويق.. توجيه الدعم ليصب في الجمعيات التعاونية كفيل اولًا بالحد من الانفاق المرتبط بالزيادة المتنامية في اسعار السلع الغذائية، كما انه عائد مهم يمكن استثماره في دعم تلك الجمعيات وتعظيم عوائدها على السكان والبيئة الاجتماعية التي تعمل فيها. توفير اقتصاديات تعاونية سيعود على قطاع مجتمعي أكبر بالفائدة والمشاركة، حيث تتجاوز عوائدها توفير السلع الغذائية بأسعار مناسبة إلى رفع القدرة على الادارة الذاتية لتلك المشروعات الرأسمالية / الاجتماعية ومراكمة الخبرة وحصد جزء من عوائد فاتورة الاستهلاك التي اصبحت قصراً على شركات الاستيراد وقطاع التجزئة.