ساهم الموظف غير المناسب - أمانة وتأهيلاً - في انتشار ظاهرة "تسريب الخطابات السرية والوثائق الرسمية"، مستغلاً وسائل التقنية في تصوير تلك الخطابات بجهاز الجوال، ونشرها في ثوان معدودة على مواقع النت، رغم أن بعض تلك الوثائق معنونة بملاحظة "سري للغاية"!. وعلى الرغم من أن بعض الخطابات والوثائق المسربة ساهمت في الكشف عن فساد بعض القطاعات، إلاّ أن المختصين القانونيين يؤكدون على عدم قانونية هذا التصرف، منتقدين غياب الإجراءات الصارمة التي من شأنها كشف ومعاقبة المتسببين في نشر تلك الخطابات. وتنتشر على النت ومواقع التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى؛ صور لمراسلات داخلية يعتقد بعض مسربيها وبشكل ساذج أنها لا تشكّل أي مخاطر أو ضرر على القطاع الذي يعملون فيه، فيما يتصرف آخرون رغبة في الانتقام أو إحراج مسؤولهم المباشر. ومن المعروف أن أي إدارة تتعرض لكشف أوراقها للعامة - خصوصا ما يحتوي على قصور أو فساد - لن تقبل بذلك، وستبحث عن المتسبب للتحقيق معه ومعاقبته، ما يجعل الجهود المبذولة في البحث والتحري تستنزف كثيراً من الوقت والجهد، فيما المفترض أن تكون مشغولة بتقديم الخدمات المطلوبة منها، بدلاً من التفكير في تفنيد ما يقال عنها بعد أن كشفت تسريبات الوثائق أموراً ليس من الصالح نشرها. خيانة وظيفية وأكد "مشعل الشريف" - محامٍ - على أن ظاهرة تسريب الوثائق والمستندات والمكاتبات أخذت في الانتشار مؤخراً بشكل كبير، وذلك بعد أن توافرت وسائل التقنية الحديثة الخاصة بالتواصل - التي للأسف يتم استخدامها من قبل بعض ضعاف النفوس بطريقة خاطئة وسلبية -، حتى مع زعم البعض أن الهدف من تسريبهم الوثائق هو كشف فساد موجود في القطاع الذي يعملون به، أو تسليط الضوء على ممارسات خاطئة يمارسها مسؤولون أو مدراء، وهو ما يعتبر معالجة الفساد الموجود في القطاع بفساد آخر هو تسريب الوثائق وهو ما يعد خيانة وظيفية. وقال إن (80%) من هذه التصرفات تكون تنفيذاً لطلبات بعض العلاقات الشخصية للموظف الذي يحاول تسريب بعض المعلومات لصالحه، فيما النسبة الأقل -لا تتجاوز 20%- من مسربي الوثائق قد يبحثون عن رشوة أو مقابل مادي أو بهدف الابتزاز والتهديد، محملاً الجهات القانونية جزءاً من مسؤولية تزايد هذه التصرفات، وذلك لعدم وجود أنظمة وقوانين صارمة تُجرّم وتحاسب المتسبب بتسريب ونشر الوثائق، حيث نجد في كثيرٍ من الأحيان بعض الأشخاص يقدم مستندات رسمية - مسرّبة - لجهات حكومية كالشرطة والمحاكم دون سؤاله عن مصدر هذه الأوراق، وكيفية الحصول عليها، مما يؤكد على وجود قصور في تجريم مثل هذه الأفعال، خصوصاً أن هناك العديد من البنود الخاصة بمحاسبة الموظفين المقصرين، إلاّ أنه غالباً لا يوجد بند يتعلق بقضايا تسريب الوثائق الرسمية. وأضاف أنه لم يسبق أن شهد محاكمة تتعلق بنشر وتسريب خطابات رسمية ومكاتبات ينشرها موظفون من مواقع عملهم إلى الآخرين، مبيناً أن من ينشرها لديه ضعف في الوازع الديني، حيث أن هذا الفعل يعتبر خيانة للوظيفة، والوطن هو المتضرر من هذه الإشاعات والأقاويل التي تترتب على انتشار المخاطبات الرسمية، ذاكراً أن من الصعوبة القبض على من بادر بالتسريب؛ بسبب غياب الآلية الدقيقة التي من شأنها كشف أي متلاعب وخائن لعمله. وأشار إلى ضرورة تعميم "التعاملات الالكترونية"، وحصر المعاملات الورقية عند الضرورة؛ من أجل تقليص تسريب الوثائق والمستندات، حيث يمكن متابعة من اطّلعوا على المعاملة، وطبعوا أوراقها أو تم تصويرها بالجوال، ما يساعد في حصر دائرة الاشتباه عند حدوث أي تسرّب، وهو ما يجعل الموظف الذي يريد التصوير يخشى أي تسريب قد يضر بمصلحته. جو مشحون! وأوضح "خميس مطران" - عضو هيئة التدريس بمعهد الإدارة في الدمام - أن أهم الآثار المترتبة على كشف وتسريب المراسلات والمستندات الرسمية هو الجو المشحون الذي تعيشه المؤسسة؛ نظراً للإشاعات والأقاويل التي تحوم حولها، خصوصاً أن العادة تجري بإضافة كثير من الأقاويل على أي خطاب يتم تسريبه، فيما يعمد البعض على تحريف وتزوير الصورة لإضافة إثارة أكبر للموضوع؛ مما يؤثر في سير العمل والإنتاجية. وقال إن السبب الرئيس لهذه الظاهرة هو وضع الموظف غير المناسب في المكان غير المناسب، إضافة إلى غياب الآلية الدقيقة في كشف سير التعاملات والمخاطبات سواء الورقية منها أو الالكترونية، دون إغفال لغياب العقوبات الرادعة والمجرمة لمثل هذه التصرفات، مبيناً أن الثقة الزائدة من بعض الموظفين لزملاء أو أصدقاء لهم باطلاعهم على أسرار العمل ومستنداته ساهمت بانتشارها وتسربها من خلال تصويرها خلسة دون علم الموظف. وأضاف أنه على الرغم من اعتماد بعض المؤسسات على استخدام التعاملات الالكترونية، إلاّ أن غياب التحديد الدقيق لصلاحيات الموظفين المسموح لهم بالدخول والاطلاع جعل المعاملات متاحة لجميع المستويات الوظيفية ليتاح لأي شخص الدخول وأخذ ما يرغب فيه وتسريبه دون أي مسؤولية تقع على كاهله، فيما لا توفّر بعض المؤسسات برامج حماية متمكنة في ردع أي هجمات من قبل مخترقي أنظمة الحاسب الآلي، وهو ما يتيح للكثير من المعروفين ب"قراصنة الانترنت" من سرقة محتويات بعض القطاعات وتسريبها أو استخدامها لتشويه السمعة والابتزاز.