أيزعجك الغدر من الناس يا صغيرتي..؟ أترين هذه الخصلة قاتلة لأمثالك من النبلاء الذين يهبون مشاعرهم صادقة شفاقة دون أدنى تساؤل.. دعيني اطرح سؤالاً: لو كان هناك نهر صغير من الماء يجري بمحاذاة منزلكم.. ويفيض عليكم كل يوم بعطائه فلا يترككم للعطش والموت. ثم استيقظت ذات صباح فوجدته قد جف.. لم يعد قادراً حتى على إرواء نفسه.. اخبريني ما أنت فاعلة.. هل تلقين باللوم عليه.. وأنت تبكينه.. لا يكون هذا أمراً معقولاً.. أليس كذلك..؟ إذ كيف تلومين إنساناً توقف عن الإحساس الصادق.. هل تكون خيانة منه إن لم يعد يشعر بما تشعرين به.. أراك تشكين خيانته المزعومة هذه.. فلا تقولين انه قد فقد الإحساس بي.. بل تتحدثين عن الطريقة التي اكتشفت بها ذلك.. أو تتحدثين عن بروده حيال الأمر وماذا تتوقعين.. أن يصرخ باكياً وهو يعتذر عن موت الإحساس.. وكيف تدمع عين من مات إحساسه.. أنت بذلك كمن مات رفيق له.. يحمل له من الود الكثير.. ولم يكن يظن انه مفارقه.. وحين ابلغ بوفاته.. ذهب ينظر مشدوها في وجوه المعزين.. ليرى إن كان أحد قد حزن عليه حقاً.. فيتأكد بذلك من موته، وكأنه سيعود للحياة ان بكاه أحد الناس بحرقة.. أو يهتم بمعرفة طريقة موته.. ومن قد يكون أوصله إلى هذا المصير.. ثم يسخط على ذلك الشخص.. فيلقي عليه باللائمة. الحق يا صغيرتي.. انه لا يمكنك أن تلقي باللوم على من نسي.. تستطيعين أن تعامليهم أرق معاملة.. وتعينيهم في أمورهم.. وتطمئني على أحوالهم بين وقت وآخر.. ولكن لا تنتظري الوفاء منهم.. فهي (خصلة الوفاء) كما تعلمين - إحدى الأساطير الثلاث.. ولا تبالي.. بل تابعي سيرك.. كلما لاح لك ومض في أعين من تهتمين لأمره.. فربما هو وميض الحاجة.. أو ربما سخاء نفس.. لا شيء فيه يحمل معنى خاص بك. احذفي هذه الكلمة من قاموسك ولا تحميها من نفسك.. وبذلك تكونين قد انتقمت ممن نسي.. بنبل.. وتساؤل اخير.. ألا تجدين أن شخصاً كهذا يستحق شفقتك أكثر من استحقاقه لحقدك وانتقامك.. إذ خسر سمو المشاعر باختياره.. وآثر أوضعها.. مما قد يحصل عليه سائر الناس؟؟ بقي أن أقول.. أنسي كل ما قلت حين تقفين أمامي.. وحين أعبر مخيلتك.. كما نسيت أنا قسوتي التي ذابت.. في دفء يمناك الندية.. حين صافحتك.. لأول مرة.. وفي اثرها ذبت انا وفاء لك..