لماذا نغلف دفىء مشاعرنا ببرودة تصرفاتنا؟ لماذا تتفجر ينابيع الحب في قلوبنا ورغم ذلك تظل حياتنا صحراء مجدبة؟ لماذا تتفتح زهور الحب في حقولنا ويتمتع بشذاها كل الناس إلا المقربون منا؟ حين نكون برفقة أصدقائنا أو في أماكن عملنا لا تسمع منا إلا عبارات التقدير والاحترام والتودد (ياسيدي) (ياحبيبي) (ياعيوني)(تحت أمرك) (طال عمرك)، ولكن حين نعود إلى بيوتنا نضع تلك الأقنعة القبيحة على وجوهنا ، قناع السخط أو التذمر أو قناع الازدراء وفي أحسن الأحوال قناع اللامبالاة. حتى اعتدنا مع أهلينا على سماع بعض الكلمات التي تدلك على ذلك مثل (عمى)(وجع)(يازفت)، بالأضافة إلى استخدام بعض أسماء الحيوانات في السباب. هذه الألفاظ النابية ليست مجرد كلمات بسيطة تستخدم للتنفيس عن الانفعالات بل هي أحجار صغيرة تقذف في بحيرة مشاعرنا فتتراكم يوما بعد يوم حتى تمتلئ البحيرة بالأحجار ويتلاشى الماء. لماذا نعيش غرباء في بيوتنا؟ لماذا يعتقد بعض الآباء أن واجبه كأب محصور في ثلاثة أشياء هي توفير الطعام والكسوة والتعليم؟ وتعتقد بعض الأمهات أن واجبها لا يتعدى حدود الطهي وغسيل الملابس ومساعدة الأبناء في حل الواجبات المدرسية؟ أعمار أبنائنا.. سنوات عجاف تمضي ثم يكبرون ويتزوجون وقد يجلس أحدهم ذات يوم يقلب صفحات حياته فلا يكاد يقرأ فيها أن أباه في يوم ما احتضنه أو ربت على كتفه أو امتدحه أو قال له كلمة تدل على اعتزازه به أو اهتمامه بمشاكله أو اشتياقه إليه حين يغيب؟ في المراحل الحرجة من حياة أبنائنا وحين يكونون في أمس الحاجة إلى الإرشاد والتوجيه والاهتمام قد نغرق في اهتماماتنا الشخصية ونوصد أبوابنا في وجوههم بينما تفتح لهم أبواب رفاق السوء على مصاريعها، ثم يفاجأ الوالدان بعد ذلك بانحراف ابنهما أو ابنتهما فيندمان ولات حين مندم. لماذا يأنف الزوج من أن يعبر لزوجته عن حبه لها رغم إحساسه بذلك؟ هل يحس أن كرامته تخدش إذا امتدح جمالها حين يرجع إلى بيته فيراها متهيئة متزينة له، أو إذا أثنى على مهارتها في طهي الطعام بعد ساعات طويلة في المطبخ تعد له ما لذ وطاب؟ كم نوئد مشاعرنا الحلوة وهي حية، وكم نتغافل عن أحق الناس بحبنا ورعايتنا: أمهاتنا، آباؤنا، أبناؤنا، أزواجنا، زوجاتنا وأولي القربى. أليس لنا في الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. هذا النبي العظيم هو خير البشر وأقوى الرجال، حامل رسالة الهدى والحق إلى الثقلين، هو معلم الدعاة وإمام العلماء وقائد المجاهدين في سبيل الله. هو أحب الخلق إلى الله ، وصفه ربه في القرآن الكريم بقوله تعالى: {ولوكنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} وقوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} لم تمنعه مكانته وعظمته وهيبته من أن يتتبع أثر فم زوجته الحبيبة عائشة رضي الله عنهما فيضع فمه على موضع فمها في الإناء الذي شربت منه توددا إليها. هذا النبي الرحيم كان يقبل يد ابنته فاطمة رضي الله عنها، وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن ابن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً فنظر إليه الرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (من لا يرحم لا يرحم). ألم نتعلم الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر شعائر ديننا منه صلى الله عليه وسلم؟ فلم إذاً نتبع هديه في العبادات ونعرض عن هديه في التعامل مع أهله وأسرته؟ آخر كلمة: إن الإنسان الذي يعبر عن مشاعره الإيجابية تجاه من يحب هو إنسان قوي وفعال لأنه استطاع أن ينتصر على كبره وعقده ونجح في التواصل مع الآخرين وإشباع حاجاتهم النفسية.