لا أدري لما بعض القصص التي تلتقطها آذان الطفولة الفضولية ونحن (نسترق السمع على مجالس الكبار) تظل راسخة في الذاكرة لا تندمل او تندثر. منها حكاية عجيبة كانت النسوة يتداولنها في مجالسهن وهي ملفوفة ومقرطسة بلهجة التحذير والتذكير، عن امرأة استعارت فستان جارتها العزباء لربما لترتديه في مناسبة أو لتخيط مثله، وأخذت تطوي وتنشر الفستان أمام عيني رجلها وتقيس موضع الخصر الذي لا يتجاوز شبرا، وتطري قصة الصدر الناهد، وانسيابة الجسم الذي سينزلق داخل الفستان، جميع هذا العرض (الحسي) المثير جعل زوجها يقع في هوى صاحبة الفستان فتقدم لخطبتها، وأصبحت ضرة لها. بالطبع الحكاية كانت منتج (مخبز) مسيار الضحى، والتي لاكتها ألسن النساء مع رشفات الشاي وطقطقة الشفاة، والجمل التحذيرية من مدح أي مخلوق أمام الزوج حتى ولو كان فستانا، لأن الزوج من الممكن أن يقع في عشقه!! ويفسرنها كأحد الأطوار الغريبة للرجال الذي من الصعب التنبؤ بها أو بردود أفعالهم، تلك الأفعال التي لابد أن يعالجنها بالمراوغة والاحتساب والصبر، والرضوخ لقدر مجحف من الممكن أن يجلب في أي لحظة امرأة أخرى قد تبرز من ظهر الغيب أو منعطف الأيام. بعض النسوة اختارت أن تكمل تفاصيل القصة.. بأن الزوجة الأولى لم تعد الفستان إلى صاحبته، ولكنها بعد زواج رجلها بها قررت أن تحتفظ به لتقوم بعمل (سحر وربط) ضدها. وهذا آخر ما استطاعت ذاكرتي أن تصل إليه لاحقا من هوس الفستان، ولم أعرف إلا لاحقا بعد أن عبثت الكتب بعقلي أن هناك نوعا من الانحراف والهوس الجنسي يصيب بعض الرجال تجاه الملابس النسائية فيجعلهم يعشقونها ويحتفظون بها، ولكن مسيار الضحى النسوي ظل محتفظا بقائمته التحذيرية، تجاه الغرائز المتفلتة (وغير المسؤولة) للرجال والتي يجب أن يدفع ثمنها النساء. وأعتقد أنها نفس القائمة المتوارثة التي جعلت من سيدة قد انتشر تسجيل صوتها على الانترنت (يقال إنها أكاديمية) بأن المرأة يجب أن تحذر وتتحرز من السير بجوار ابنها الوسيم، لأن الابن الوسيم هو مؤشر على وجه أمه وقد يثير المارة بناء على قاعدة (يا شبيه صويحبي حسبي عليك). ويبدو أن هذه السيدة قد فاقت في الورع والتعفف حتى العرف العائلي، فقد كان في الماضي الرجال يتقصون وجوه النساء في عائلة ما من خلال الإخوة الذكور، بل أذكر سيدة كانت تجعل ابنها الوضيء يقف على الباب كمسوق للأخوات المتخبئات في الداخل. قوانين الفصل والحرملك تطلق العنان للمخيلة الجامحة المسعورة، وان كان الأمر مقبولا في مسيار ضحى نسوي بين رشفات الشاي واجترار الخبز والجرجير، ولكنه حتما سيستوقفنا إذا قمنا باجتراره من فوق منبر أكاديمي، وتحت شعار وعظي ديني له سلطة وله حضور لدى المستمعات، خطاب منبري عجيب يسهم باستثمار العاطفة الدينية في بث وعي وقوانين.. مسيار الضحى، لاسيما عندما تحاول بعض نسوة مسيار الضحى الترويج لنفسها بأنها المرأة الخارقة.. بيتها نظيف، وطبخها لذيذ.. وزوجها متدله بها.. وأولادها وسيمين.. ولكن هذه المرة من فوق منبر أكاديمي وعظي. هذا النوع من الوعي قد يكون ضيق أفق ومحدودية رؤية على المستوى الشخصي، ولكن ماذا يصنع في الفضاء العام إذا كان قادما من منبر: - تأثيم النساء على وجه الإطلاق، المرأة تأثم بخطيئة نوعها!! وأن الخطيئة قدر حتمي حتى لو كانت خلف غطاء. - بث وعي دوني للمرأة.. وهو وعي حتما مضاد للمرأة وتمكينها واستثمار مواهبها ومشاركتها في المسيرة الحضارية، فربطها بالغرائزية بهذا الشكل الذي يقترب من الهوس، يكرس صورة ذهنية بها الكثير من الاستخفاف.. والوصاية. - تأطير جماهير الطالبات ضمن الصورة المنمطة التقليدية لهن، فتشحب ثقتهن بأنفسهن وقدراتهن على جعل الفضيلة خيارا شخصيا، وليس نتيجة لتربص ومراقبة من الآخرين. ومع الأسف ستظل النساء لدينا أسيرات هذا الوعي، طالما نحن نصر على نقل سواليف مسيار الضحى إلى.. منبر أكاديمي أو وعظي.