قُبيل المغيب، في لحظات العصر المتأخرة، ترى وجوههم بائسة وهم مزروعون على الأرصفة يضمون أذرعهم لصدورهم جراء البرد القارس في ثنايا قسوة الشتاء، أو تلفح وجوهم سموم القيظ كل صيف، منصرفين من مهامهم التي انقضت للتو في حراسة أحد المصارف، أو شركة عملاقة تعلن أرباح الفلكية كل عام. يقف رجال الحراسات المدنية طويلاً في الشارع بعد ما وقفوا لتسع ساعات متواصلة أمام الأبواب متحملين مسؤوليات جساما، يقفون وقتاً إضافياً على الأرصفة منتظرين حافلات متهالكة، تسمى (خط البلدة)، تفتقد لأبسط معطيات السيارات العصرية، لتقلهم لمساكنهم، ليعودوا إلى هناك منهكين، ومثقلين بحسابات توجع القلب، وتبعث على الأسى. فراتب الألفين أو الثلاثة آلاف ريال في زمن التضخم لم يعد كافياً حتى لأن تتيح للذهن الأحلام والخيالات التي يطلقها أي شاب نحو الغد المتخم بالصور الوردية من الحياة الزوجية والاستقرار. صور متقاطعة، ورمادية تسكن أذهان السعوديين العاملين في مجال الحراسات المدنية، تأثيرها يبدو واضحاً على محيا الواحد منهم. ربما يصل تأثيرها في لحظة يائسة إلى الدفع بأحدهم باتجاه نزعات الشر التي تعتري الإنسان في اللحظات المظلمة واليائسة في حياته. وفي ظل الأوضاع المتردية للمستوى المعيشي لغالبية العاملين في الحراسات الأمنية، وبلوغ الشعور بالحرمان مداه، يقف أولئك الرجال ما بين الصمود في وجه الظروف القاسية، جانحين إلى الاستعانة بالصبر والأمانة والإخلاص في العمل، وبين المنغصات التي تدفعهم للاستسلام لهوان النفس واتباع الهوى أحياناً، قد لا يوجد عذر لرجال من أولئك الحراس سطوا على أموال كانوا يحملونها في حالة من الضعف الإنساني والاستسلام لنزوات النفس والهوى، إلا أن قراءة لخارطة حياة أحدهم، وتفاصيلها قد توحي بمدى العوز والحرمان لأناس فقراء قلنا لهم تعالوا لتحموا الثروات الطائلة، ولكن لا تنهبوها. وتبدو مشكلة حراس الأمن الذين القي عليهم حمل ثقيل مزمنة، ومؤلمة، فأكثر من 135 ألف حارس لا مؤهلات لدى أغلبهم، ولا فرص أمامهم في أعمال أخرى في ظل إخفاق الجهات المسؤولة وشركات القطاع الخاص في إيجاد فرص عمل لجامعيين يعانون البطالة، مما يعني حتمية الالتفات إلى أهمية الدور الذي يقومون به، ومعالجة أوضاعهم. ولا زال في الأذهان ما قاله مساعد مدير الأمن العام لشؤون الأمن اللواء خضر الزهراني في يونيو العام الماضي" ان الأشهر القادمة ستشهد صدور نظام يرفع الحد الأدنى لرواتب العاملين في قطاع الحراسات الأمنية إلى 3700 ريال، مؤكداً أن تدني الرواتب من اكبر المشكلات التي تواجه العاملين في مجال الحراسات الأمنية. حارس أمن سعودي كان يتسول للحصول على مبلغ يوصله لبيته