يعتبر «الصلب المشقوق» كأكثر العيوب الخلقية المعقّدة شيوعاً وهو عيب يؤثّر على تطوّر الجهاز العصبي للجنين، حيث يبدأ تطور الجهاز العصبي المركزي في مرحلة مبكرة من التطور الجنيني، ففي اليوم ال20 من حياة الجنين تهاجر خلايا الصفيحة العصبية إلى الخط الناصف، وفي اليوم 23 تندمج هذه الخلايا من الأعلى لتُكَوِّن الأنبوب العصبي وعدم اغلاق هذا الأنبوب يؤدي إلى عدم انغلاق عظام الفقرات الظهرية وبالتالي ظهور فتحة في عظام العمود الفقري، ما يسبّب تلفاً في الحبل الشوكي للجنين وحدوث خلل بوظائف جهازه العصبي، كما قد يتسبّب هذا المرض في حدوث شلل واضطرابات وظيفية بأجهزة الجسم المختلفة بسبب انكشاف جزء من الحبل الشوكي للجنين، وتجدر الإشارة إلى أن الإصابة قد تحدث في أي جزء من أجزاء العمود الفقري، مسبّبة خروج أجزاء من الحبل الشوكي أو المكوّنات المحيطة به خارج جسد الجنين. ويتساءل الكثيرون عن السبب المسؤول عن هذا النوع من العيوب الخلقية ويمكننا القول إن السبب لا يزال مجهولاً حتى وقتنا الحاضر، إلا أن هناك عوامل تلعب دوراً هاماً في عدم اكتمال نموّ فقرة أو فقرات من العمود الفقري للجنين، ومنها العوامل الوراثية ففي حال وجود طفل مصاب بالأسرة لوحظ أن إمكانية تكرار الإصابة ترتفع أثناء الحمل بنسبة 3 إلى 4%، بينما ترتفع النسبة لأكثر من ذلك في حال وجود طفلين مصابين في الأسرة ذاتها،وذلك بناءً على نتائج خلصت اليها دراسة صادرة عن جامعة أكسفوردبالولاياتالمتحدة، وهناك العوامل البيئية والتي من أهمها كثرة تعرّض الأم للأشعة أثناء الحمل أو تناولها بعض العقاقير الطبية وخصوصاً مضادات التشنّج والكحوليات، كما أن هناك العوامل الغذائية وذلك مثل نقص “حمض الفوليك" الذي يعتبر السبب الرئيس حتى الآن فى إصابة الجنين بمرض الصلب المشقوق. وفي هذا الإطار، تثبت دراسة صادرة حديثاً عن المركز الطبي في جامعة ديوك الأميركية أن 50 إلى 70% من حالات عيوب الأنبوبة العصبية والصلب المشقوق يمكن منعها عبر تناول السيدات في مرحلة ما قبل الحمل جرعات يوميّة من حمض الفوليك (الفيتامين ب)، والاهتمام بتناول الأطعمة الغنيّة بحمض الفوليك كالخضر الورقية الداكنة كالسبانخ والبروكولي والفاكهة كالبرتقال والتفاح، وأخيرا هناك العوامل المرضية وهو أن تكون الأم أثناء الحمل مصابة بداء السكري والسمنة المفرطة، واهمال تنظيم نسبة السكر بالدم، كذلك ارتفاع درجة حرارة الأم أثناء الأشهر الأولى من الحمل أحد العوامل المرضية. وتختلف الأعراض لهذا المرض عطفا على اختلاف أشكال الاصابة فهناك الصلب المشقوق المستتر Spina Bifida Occulta والذي يعتبر أبسط أنواع الصلب المشقوق، ففي هذه الحالة غالباً لا تظهر على المصاب أيّة أعراض عصبية أو علامات إكلينيكية وذلك لسلامة الأعصاب والحبل الشوكي، وغالبا ما يجهل غالبيّة الأشخاص المصابون بالصلب المشقوق المستتر إصابتهم ويتمّ الكشف عنها مصادفةً أثناء إجراء أشعة تشخيصية لأي مرض آخر، أو عبر خصلة من الشعر أو حفرة في الجلد في مكان الإصابة. ولكن أكثر انواع الصلب المشقوق المستتر خطورة هو التورّم السحائي Meningocele ، وهنا يتم خروج الأغشية السحائية المحيطة بالحبل الشوكي خارج الفتحة الموجودة بفقرات الظهر في شكل كيس ماء. وفي هذه الحالة، يظلّ الحبل الشوكي في مكانه الطبيعي ما يمكّن الجرّاحين من إجراء جراحة لاستئصال هذا الكيس المتكوّن خارج جسم الطفل والذي يكون في معظم الحالات مغطّى بطبقة من الجلد، ما يقلّل من حدوث تلف بالحبل الشوكي أو الأعصاب المحيطة. بينما أكثر أنواع الصلب المشقوق خطورةً هو التورّم النخاعي السحائي Myelomeningocele: ففي هذه الحالة تظلّ قناة العمود الفقري مفتوحةً على امتداد فقرات عدّيدة، وغالباً تكون هذه الفتحة في منتصف الظهر (الفقرات القطنية) أو أسفله (الفقرات العجزية)، ما يؤدّي إلى خروج الحبل الشوكي والأعصاب من مكانها إلى جانب الأغشية السحائية في شكل كيس، وغالباً ما يكون غير مغطّى بالجلد أو مغطّى بطبقة رقيقة. خطورة هذا النوع من الصلب المشقوق يكمن في أن الحبل الشوكي والأعصاب قد يتعرّضان للتلف بسهولة، ما يؤدي إلى حدوث مضاعفات واضطرابات عصبية خطرة كفقدان القدرة على الحركة (شلل الأطراف) والتشنجات والاضطرابات في الجهازين البولي والهضمي، كما أن عدم تغطية الأنسجة العصبية يجعلها عرضة للإلتهابات والعدوى التي تهدّد حياة الطفل. والتدخّل الطبّي يعتمد على درجة وخطورة الحالة ففي حالات الصلب المشقوق المستتر، لا يتمّ التدخل سوى عند وجود علامات مرضية أو أعراض، بينما تحتاج بقيّة الأنواع إلى التدخل الجراحي لغلق المنطقة المفتوحة من الظهر. ودائما يفضّل إجراء الجراحة في أقرب وقت ممكن، لتلافي حدوث أيّة مضاعفات فيما بعد. وكخطوات داعمة علاجية تتم متابعة الحالات المصابة بصورة دورية وعلاج الاضطرابات المصاحبة للصلب المشقوق مثل اضطراب جهازي البول والهضم إن وجدت، وعلاج التأثيرات الحركية عبر استخدام وسائل العلاج الطبيعية، واعادة التأهيل وعلاج الاستسقاء الدماغي إن وجد، ومتابعة حالات التأخر الفكري وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للوالدين. الخلايا الجذعية والتي يرد الكثير من التساؤلات حولها، نستطيع القول وبكل صراحة إن هذ الموضوع لايزال تحت الأبحاث المخبرية بل إن الأمر لم يصل إلى تجريبه على الإنسان، ولكن هناك مراكز طبية في الصين والهند وبعض من مناطق اخرى في العالم تدعي استخدام زراعة الخلايا الجذعية ويتم ذلك بحقن الخلايا في مرضى الصلب المشقوق، ولم نشهد أية حالة تمت معالجتها بهذه الطريقة يمكن أن نعتبرها ناجحة، فهي تعتبر من الطرق العلاجية الوهمية أكثر منها حالات معالجة طبية علمية محققة. كما سبق وان أوضحنا لم يثبت أي نجاح لعمليات زراعة الخلايا الجذعية والطرق الحالية التي نستخدمها في علاج الصلب المشقوق هي الطرق التي أثبتت أنها الأفضل في تقليل المشاكل التي تلحق بمرضى الصلب المشقوق أو تؤخر حدوثها، لأنه وكما أسلفنا هذا المرض يحدث أثناء الحمل ولا يمكن علاجه بشكل شاف تماما، فهو تشوه خلقي. ولكن يمكن أن نقلل من درجة انتشار الاصابة به من خلال الوعي والفحص المبكر ما قبل الحمل، فقد افادت إحصائية صادرة عن “منظمة الصحة العالمية» أن معدّل الإصابة يبلغ حالة واحدة تقريباً لكل 1000 ولادة في الولاياتالمتحدة الأميركية، وحسب الدراسات الحديثة استطاع الغرب تخفيض هذه النسبة إلى 1 لكل 100 ألف مولود، وذلك عبر طرق معينة من أهمها نشر الوعي والثقافة الصحية وبالتالي الفحص المبكر قبل الحمل للأم والاهتمام بالعوامل المسببة وعدم انتشارها. * قسم العلوم العصبية