قرار الملك عبدالله التاريخي بدخول ثلاثين سيدة بعضوية الشورى أعاد جزءاً من الاعتبار للمرأة السعودية التي تم ظلمها في الداخل والخارج. بالداخل من خلال التجاهل والقيود التي عرقلتها، أما بالخارج ففي الصورة النمطية التي توضع فيها. يتم الخلط دائما بين جوهر المرأة السعودية ورغبتها القوية بالتفوق والتقدم وبين الوضع المتجمد الذي وجدت نفسها به. شاهدت قبل مدة مقطعاً لمعلق كوميدي يسخر من النساء السعوديات على اعتبار أنهن شخص واحد ولكنه بالفعل لا يعرف عما يتحدث. هو فقط مأخوذ بالشكل الخارجي وبالقصص والأخبار الغريبة التي يسمعها والتي كان آخرها نظام بعث الرسائل النصية على هاتف زوج المرأة المسافرة للخارج! ولكن هذه ميزة المرأة السعودية فرغم كل التجاهل والقيود هاهي تتقدم وتصل لمجلس الشورى. وسيرى العالم كله قريباً الشوريات الجدد وهن يعكسن صورة جديدة ومضيئة للمجتمع والبلد. يجب أن لا ننسى حقيقة هامة، وهي أن المحاولات الطويلة المستميتة لطمس مكانة المرأة، وجعلها خاضعة وألعوبة بأيدي حفنة من المتشددين وتابعة حتى لأصغر أولادها لم تنجح في كسرها، ووصولها لمجلس الشورى هذا دليل واضح على ما نقول. والسبب هو أن روح المرأة السعودية قوية ولا يمكن قتلها أو الإجهاز عليها بسهولة. شخصية الجدات الحكيمات الطيبات والصبورات وحتى المقاتلات في الماضي تعرضت للكبت والمضايقة ولكنها الآن عادت من جديد بصورة جديدة. الفتيات المبتعثات أو في الجامعات أو المعلمات أو من يعملن في المستشفيات أو السيدات في الشورى هن حفيدات أولئك الجدات وورثن ذات الروح المتوثبة والشخصية الصلبة. الشابة الصغيرة التي تعيش في قرية صغيرة وتقطع آلاف الأميال كل يوم لكي تدرس في إحدى الكليات وبعد تخرجها تسافر أيضا للتدريس في مكان بعيد، أوليست فتاة قوية العزيمة قهرت كل الظروف الصعبة؟ أشك أن أحداً من الساخرين قادر فعلاً على تحمل الصعوبات التي تواجهها. ومع هذا تعود لتدير البيت وتعتني بزوجها وتربي أبناءها الصغار وتركض بهم إلى المستشفيات إذا مرضوا. فتاة محترمة بكل تأكيد وكل ما نريد أن نفعله لها ولغيرها هو أن نسهل عليها حياتها ولا نقف عقبة في وجهها ووجه أطفالها. نريد قوانين عائلية تنصفها ومدارس متطورة تسلحها بالعلم والمعرفة ومصادر رزق متاحة وحياة طبيعية تسعد بها وتنتمي لها. ليس صحيحاً كل تهم الإفساد التي تروج، إلا إذا كانت إعادة الاعتبار لإنسانية المرأة تعد إفساداً؟ يخطىء من يقول إن كل هذا ضد عاداتنا الاجتماعية بل العكس هو في الحقيقة عودة وامتداد جديد لها. قبل ثلاثة عقود كان المجتمع يعيش أزهى وأسعد أوقاته، وكان حضور المرأة طبيعياً بل ومرحباً به كشريكة وصاحبة رأي وحكمة سديدة. نعرف كلنا ماحدث بعد ذلك في المرحلة التي أعقبتها والتي أثمت هذه الشخصية الذكية النبيلة، ولكن وهاهي ذات المرأة الآن تعود حاملة ذات الحكمة ولكنها مزودة بالعلم والمعرفة لتصدح بمشورتها ورأيها الذي سنستمع له تحت قبة مجلس الشورى. ليس صحيحاً أننا هدمنا القيم والعادات الطيبة التي عرفها أجدادنا الصادقون المتدينون بأعماقهم وسلوكهم بدون مزايدة وتنطع، بل الذين ظلموا المرأة وشطبوا قيمتها ودورها هم من أخل بهذه القيم. الكثير من الناس رحبوا بهذا القرار وهذا مؤشر واضح على أن الوعي الاجتماعي قد نضج وتطور في العقد الأخير. وبالطبع هناك قلة غير سعداء وساخطون وهذا أمر طبيعي في كل مجتمع يخطو للأمام. في أمريكا هناك من ينادي بعودة أيام العبودية ولكن لا أحد بالفعل يهتم لدعاواهم البربرية. وهذا ما يجب أن نفعله فالقصة ليست فعلا عداء لأشخاص أو فئات معينة بل لأفكار وآيديولوجيات خانقة تقتل وتجهض الروح والأمل في المجتمع ولكن بمجرد أن نتجاوزها لن نلتفت لها أبدا. الناس يتطلعون للمستقبل وليس لديهم وقت لتضييعه في معارك مع أشباح الماضي. مبروك لسيدات الشورى، ومن الأكيد أن عليهن الكثير من المسؤوليات، ولكن المسؤولية الأكبر هي أن ينقلن روح وشخصية الجدات الحكيمات للأجيال الجديدة من الفتيات.