صدر أمس قرار خادم الحرمين الشريفين بالتشكيل الجديد لمجلس الشورى الذي بدأ هذا العام، وتحقق فيه وعد خادم الحرمين الشريفين بتمكين المرأة من دخول مجلس الشورى، فدخلت في دورته الجديدة لهذا العام 30 سيدة من النخبة الأكاديمية، ومن صاحبات العلم والخبرة والاختصاص. هذا الخبر بكل تأكيد يستحق الاحتفاء، فهذه المشاركة النسوية في واحدة من أهم مؤسسات الدولة هي اعتراف بأهلية المرأة ورشدها، وحقها في أن تخدم مجتمعها بصفتها مواطنة فيه، كما يشير إلى أن المرأة في السعودية تقدمت باتجاه دورها في المجال السياسي، ولم تقف عند حدود الدور الاجتماعي والتربوي والاقتصادي والطبي، والذي كانت حاضرة فيه بامتياز، ومن يحاول التقليل من هذه الخطوة لا يعرف بالتأكيد حجمها، في ظل مجتمع اشتهر بالكثير من الممانعات الفكرية والاجتماعية لتقدم المرأة، وعرّضها للحجب والإبعاد عن المجال العام، ما أخضعها للبقاء في صورة نمطية سلبية، بل وشكّك في قواها العقلية، وحصرها في دور التابع والقاصر والضعيف. في مثل هذه المناسبات، يتقدم الفرح قبل النقد، فيستوجب أن نقول «مبروك». مبروك لكل السيدات أعضاء مجلس الشورى اللاتي حظين بالثقة الملكية، وما كانت المرأة لتنالها لولا الدور الذي قامت به، ولولا تيار الوعي المتنامي في أوساط النساء، الذي يلح على وجوب حصولها على هذا الحق، كحقوق أخرى كثيرة لا تزال تحت الطلب. النساء اللاتي ترشحن لمجلس الشورى لم يقدمن من منازلهن، بل اخترن من الجامعات ومن مؤسسات العمل الأكاديمي والطبي والاجتماعي، وسيرتهن العملية تشهد بإنجازاتهن، فبعضهن حصلن على جوائز رفيعة في مجالهن البحثي والعلمي كخولة الكريع وسلوى الهزاع وحياة سندي، وشاركن بالعمل في مؤسسات دولية وعالمية مثل ثريا عبيد وثريا العريض، وحين يدخلن في هذه المؤسسة التي تتوسل نقد ودرس وتطوير الأنظمة، فإن المتوقع منهن أن تكون مشاركتهن بحجم ما تستحقه هذه التجربة، إضافة إلى أن العمل في مؤسسة مثل مجلس الشورى هو بحد ذاته خبرة جديدة تضاف إلى خبراتهن، وتكسبهن مهارة جديدة. 30 سيدة في المجلس بنسبة تعادل 20 في المئة، ليس الرقم الذي يرضي طموحاتنا، لكنها البداية التي تأتي على مهل كعادتها، وتشق طريقاً جديداً للمرأة في المجال السياسي، فتظهر المرأة على الأقل في قائمة النساء في برلمانات العالم، ففي إحصاءات عام 2005 التي احتلت فيها فنلندا أعلى القائمة في نسبة تمثيل المرأة في البرلمانات ب47 في المئة، كانت نسبة التمثيل في السعودية «صفراً». دخول المرأة مجلس الشورى ليس سوى بداية تضع قَدَم المرأة في طريق الحصول والمطالبة ببقية حقوقها المدنية، وقد قلت سابقاً إن قرار دخول المرأة مجلس الشورى هو قرار يجب أن يجُبَّ ما قبله، أي يرفع عنها جميع القرارات التي تمنعها من الحصول على بقية حقوقها المدنية، كحق الولاية والسفر والقيادة وعدم التمييز، كما ننتظر أن نراها قريباً وزيرة للشؤون الاجتماعية أو«التربية» أو غيرها من الوزارات التي يمكن للمرأة أن تبدأ منها منصباً وزارياً. دور المرأة في مجلس الشورى يعلقُ عليه كثير من الآمال، أولها القيام بهذه المسؤولية على خير وجه، فهي أمانة عظيمة، كما أن قطاع النساء يتوقع منه أن يوظف حضور عضوات مجلس الشورى الجدد لمصلحة النساء، فلا يكون حضورهن مجرد حضور بيروقراطي ينلن به الوجاهة والكسب المادي، وأول مهمة أضعها أنا على طاولة «الشوريات»، هي إقرار نظام للأحوال الشخصية ينظم حقوق المرأة، ويحميها ويعطيها جميع حقوق المواطَنَة، ويسنّ لها من القوانين ما يحميها من التحرش والتمييز في المهن والأنظمة والكسب وفرص العمل. المرأة التي دخلت مجلس الشورى دخلته بصفتها راشدة متعلمة، ومربية مسؤولة، لهذا آمل ألا يشغلنا مجلسنا الموقر بأسئلة من نوع أين تجلس النساء؟ وكيف يقدمن مداخلتهن؟ بل ما حقوقهن المطلوبة؟ [email protected]