فجعنا بالأمس بوفاة علَم من أعلام الوطن هو الأستاذ الدكتور محمد بن سعد الدبل - رحمه الله وغفر له - وهو من المخلصين في عملهم والواعين بواجباتهم والحريصين على تلاميذهم وأبنائهم. فالذين يعرفونه عن بعد يعرفونه أستاذاً في الأدب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وشاعراً مجيداً وصاحب إلقاء رائع ومميز، والذين يعرفونه عن قرب يدركون أنه كان محباً للناس وحريصاً على الآخرين وطيباً مع الجميع ومعطاء بلا حدود. إذا ألقى قصيدة في أي محفل ردد الحضور العبارة المشهورة (أعد.. أعد) إعجاباً بعباراته الجزلة وقصائده الرائعة ذات المعاني العميقة والمؤثرة. وإذا تحدث في محفل فإن حديثه لا يمل ويجبرك على الاستماع والإنصات له. علمه لا يملكه لنفسه، ونصائحه لا حدود لها لمنفعة الآخرين، وقصائده سخرها لخدمة دينه ووطنه ومجتمعه. عرفته - رحمه الله - وأنا طالب في المعهد العلمي بالرياض (أي ما يوازي المرحلة الثانوية) وكان مدرساً محبوباً لدى الطلاب في الأدب واللغة العربية. وأفدت منه كثيراً ومن علمه الجم وروحه الرائعة والمرحة التي تقرب النفوس. له أفضال كثيرة عليّ في تلك المرحلة المبكرة من حياتي في مسألة التعليم في المعهد العلمي وإتاحة الفرصة لي للمشاركة في المنتدى الأدبي للمعهد. كنتُ وجلاً من المشاركة والالقاء والوقوف أمام الحضور على خشبة مسرح كلية الشريعة الذي كان المعهد يستخدمه لبرنامجه الأدبي الاسبوعي في المساء. كان يقوم بتدريبنا على الإلقاء وإصلاح الأخطاء ويشجعنا على الظهور بشكل صحيح. كان حليماً علينا ونحن طلاب صغار السن نهاب الظهور أمام الناس، وكان بإمكانه ان يتخلص من مشاركتنا ويبحث عن آخرين ولكنه كان يصر على نجاحنا في المشاركة. منحنا الوقت والجهد لايمانه بأن الشباب هم عماد الوطن ولابد أن يحظوا بالاهتمام. لم تكن مشاركاتنا في نادي المعهد الأدبي جزءاً من المنهج ولا مسؤولية من مسؤولياته الرئيسة وإنما كانت بالنسبة له - رحمه الله - جزءاً مهماً من بناء شخصية الطالب الذي هو مواطن ونجاحه نجاح للجميع. كان يتمتع بشخصية قوية ولينة، قوتها تظهر عند الحاجة وكذلك الجانب اللين منها. أتذكر ونحن نمسك بالمايكرفون في بروفات الإلقاء استعداداً للظهور في النادي الأدبي للمعهد أنه كان يقف لساعات يتابع ويصحح ويشجع ويبتسم ويقول إننا قادرون على الوقوف وأداء الكلمة التي نشارك بها. وفعلاً لا أنسى فرحته - رحمه الله - ونحن ننهي فقرتنا بنجاح التي هي من نتاج حرصه وإخلاصه. وعندما وفقني الله عز وجل وحصلت على الدكتوراه وتعينت عميداً للبحث العلمي بالجامعة كنت أتشرف بزياراته - رحمه الله - للعمادة وأسعد بالحديث معه والاستفادة من نصائحه وتوجيهاته. لم يتغير أو يتبدل بل يزداد عطاء ويفتح آفاقاً بروحه الطيبة وكلماته المميزة. رحمك الله يا أستاذنا الكريم وأدخلك فسيح جناته فقد كنت أنموذجاً للمعلم المخلص، والمواطن الملتزم بدينه والمحب لوطنه وأبنائه. قصائدك ستظل وثيقة للتاريخ، وتربيتك لأبنائك الطلاب ستكون نبراساً لمعلمي اليوم أولئك الذين يحرصون على إبراء الذمة في واجبهم المناط بهم. عزاؤنا لأسرته الكريمة وللوطن ولمجتمع الشعر والأدب والعلم والثقافة..