الحديث عن غازي القصيبي ليس بالحديث السهل، فقد فقدنا صباح أمس رمزاً وطنياً مهماً، وقامة ثقافية أثرت مجتمعنا على مدى عقود خلت. يقول الدكتور أحمد الطامي رئيس نادي القصيم الأدبي : الدكتور غازي القصيبي رمز من رموز الوطن الكبيرة ، والوطن فقد واحدا من أبنائه المخلصين الذين أفنوا حياتهم في خدمته، إلى جانب أنه كان مبدعا وكاتبا ويتمتع بالكثير من القدرات البحثية والعلمية التي يندر أن توجد في شخص واحد. وأضاف الطامي : الدكتور القصيبي قد ملأ المناصب التي تقلدها منذ بدأ حياته العلمية بجامعة الملك سعود ثم انتقاله للعمل بالمجال الإداري حتى وصوله إلى منصب الوزارة ، فقد أبلى بلاء حسن في هذه المناصب وكلنا نعرف دوره في حل مشكلة الكهرباء. العدواني: استطاع غازي أن يعبر عن معاناة النفس البشرية، وما يعتليها من تغيرات وقال : والقصيبي هو من المسؤولين الذين تابعت سيرته العلمية والإدارية ، فقد كنت أقرأ شعره منذ كنت في الجامعة ، وهو من الشعراء الذين يأسروننا في ذلك الوقت ، فقد تميز شعره بالواقعية والتعبير عن المعاني بشكل يتخطى الطرق التقليدية ، فهو بحق شاعر مبدع ومجدد ومن الرموز الشعرية التي لايمكن تجاهلها. معجب العدواني وهو قاص وروائي وروايته " شقة الحرية" تشكل منعطفا في الرواية السعودية الحديثة. ولا يخفانا كونه كاتبا له العديد من الكتب التي تتحدث عن الشأن العام ، ككتابه عن التنمية ، وكتاب " حياة في الإدارة " والذي كان عن حياته العلمية. فقد استطاع أن يعصف بتجربته ومرآته في الحياة من خلال هذه الكتب. فرحيله يعد خسارة للساحة الإدارية والأدبية ، نسأل الله له المغفرة والرحمة خاصة وأنه توفي في هذا الشهر الكريم ونسأل الله أن يكون بركة له وسببا لرحمة تنزل عليه. أما الدكتور معجب العدواني فقال : رحم الله الفقيد فقد كان أستاذا بارزا وعلما في كل الميادين التي خاضها وشارك فيها سواء ميادين الإدارة والأدب ، شعرا ورواية وسيرة ذاتية. لقد كان شخصا ناجحا بكل المقاييس ، فهو نسيج وطني تمكن من خدمة وطنة وأمته على مستويات كثيرة ، كما أنه استطاع أن يعبر عن معاناة النفس البشرية ، وما يعتليها من تغيرات. الوافي: المعلم الكبير الذي علمنا الشعر والسرد والإدارة والوزارة وأضاف العدواني : كان رحمه الله حريصا في شعره أن يصل إلى المتلقي بصورة مباشرة وغير مباشرة ، فالمباشرة من خلال تمكن المتلقي من التفاعل مع نصوصه الشعرية دون رموز مخلة ، وغير مباشرة في كونه يقدم الشعرية الرقيقة والرهيفة ، ويستطيع بذلك أن يتجاوز مستوى المتلقي الأول إلى المستوى الأعمق وأكثر غموضا. محمد الحرز وفي أعماله الروائية ، فقد تمكن من تقديم شخصيات لها تاريخها الكبير ونماذج مختلفة بالحياة اليومية ، فمنذ شقة الحرية حيث قدم نماذج لأربعة طلاب يدرسون بمصر ومارافق ذلك من أحداث إلى تقديمه العاقل المجنون في رواية " العصفورية " وهو النموذج الذي يحكي تلك العلاقات المتداخلة التي يراها تمثل صميم الحياة السياسية في عالمنا العربي . ثم تقديمه روايات منها " سبعة ، وأبو شلاخ البرمائي" وهما عملان يقدمان نماذج لبعض الشخصيات التي استطاع المؤلف أن يصيب فضاء الثقافة العربية ويرصدها في لندن أثناء عمله سفيرا هناك . إبراهيم الوافي ويشير العدواني بحديثه عن الفقيد القصيبي بقوله : لنقل انه قدم أعمالا وطنية توشك أن تخلده في فضاء ثقافتنا السعودية ووطنا العربي ، وما قدمه لوطننا ومشاركته الفاعلة والمؤثرة في كونه وزيرا وسفيرا ثم وزيرا يشهد له .. وأيضا كل من عاصره في هذه الميادين يشهدون على قدرته على ادارة شؤون وزارته وسفارته وأيضا عمق وطنيته وايمانه بضرورة أن يقدم للوطن الشيء الكثير. وفي أعماله الإبداعية من الصعب أن نقوم بمسح سريع لها ، فنبأ وفاته قد عقد الألسن وشل التفكير للحظات ، فلا نستطيع أن نفيه حقه. أما الدكتور محمد الحرز والذي نقلت له "الرياض" الخبر ، فقد ألجمت صدمة الخبر لسانه ولم يستطع الحديث عن الفقيد إلا بقوله أنه المملكة فقدت رجلا وطنيا بمعنى الكلمة وخاصة أنه قد مثل المملكة بأكثر من موقف سياسي ووطني ودولي وثقافي ، وصعب علي أن أتحدث عنه في هذه اللحظة ، رحمه الله وأسكنه جناته. ويقول الشاعر إبراهيم الوافي : كنا ننظر للدكتور غازي القصيبي على أنه المعلم الكبير الذي علمنا الشعر والسرد والإدارة والوزارة ، ونرى فيه حداثة التشكيل الإبداعي لتأثيرة في المتلقي ، وقد تكون شقة الحرية والعصفورية خير من يمثل هذه الحداثة. فالقصيبي بعدد الوزارات والمناصب التي تولاها كان دائما خير من يمثلها ومثله لا يستطيع القول عنه انه كان رجلا عابرا بل هو رجل التاريخ ، سواء على الجوانب الإبداعية أو الإدارية . فكتابه حياة في الإدارة " كشف للعالم أننا نمتلك قياديين بمستوى عال جدا ... وعكس النظرية التي كان الغرب يعتقدونها وهي أننا نحتاج لآخرين ليعلموننا فن القيادة. أما الجوانب الإبداعية فقد كنت أتخيل أن الفقيد القصيبي لا ينام وذلك لتتابع حضوره ووفرة ابداعه ، فهو إنسان ولد ليجعله التاريخ حدثا منذ ظهوره ، فقد ارتبط اسمه بالنجاح وما تقلد منصبا أو قال شيئا إلا وجد حضورا عظيما. وأضاف الوافي : الخمسون عاما الماضية برز القصيبي من ضمن الشخصيات الوطنية الأبرز على المستويين الإداري والوزاري والإبداعي. ففي لحظة تأبينه تتزاحم الكلمات ، فقد تتلمذت على يديه شعريا وهو النموذج الأجمل والظاهرة الفريدة ، فقد شكل السياسة شعرا بدليل قصائد المناسبات التي يصوغها فكرا بما يناسب. فقصيدة " نحن الحجاز ونحن نجدا" كانت بمثابة الرد الإعلامي أيام حرب الخليج الأولى وهكذا هي الشخصيات العظيمة وجدت لتشكل التاريخ ويحفظها التاريخ.