لن يأتي أحد بجديد حين يقول إن الخروج المرير للمنتخب السعودي من "خليجي 21" كان طبيعياً وأنه كان نتيجة تراكمات وجملة من النتائج المحبطة التي عانت منها الكرة السعودية، لكن المختلف هذه المرة هو اتحاد كرة القدم بمجلس إدارته المنتخب ورئيسه الذي يحمل من التجارب ماقد يساعده على إعادة المنتخب والكرة السعودية عموماً إلى وضعها الطبيعي، ولن تكون عودة المنتخب لمكانته واستعادته لقيمته وهيبته المفقودة من خلال الفوز بمباريات تجريبية أو تحقيق بطولة إقليمية أو المنافسة عليها أو حتى الوصول لكأس آسيا ،2015 والتي ستقام بعد عامين في أستراليا وتحديداً في يناير 2015، بل إن العودة إن حدثت فستكون من خلال ترسية قواعد إدارية قوية ومستقلة لاتقبل التدخل والتداخل، وتنظيمات جيدة ووضع أهداف مستقبلية والعمل على تحقيقها، وهنا ربما يبدو الكلام إنشائياً، لكن الحقيقة تقول إن الإدارة الرياضية في السعودية وفي كرة القدم تحديداً تفتقد لأبسط تلك المقومات، فالنفوذ هو سيد الموقف، واتحاد الكرة يعاني من ضغوطات كبيرة يقابلها بضعف غريب، وهنا يبرز أهم وأصعب اختبار يواجه اتحاد كرة القدم الذي يقوده أحمد عيد الذي قدم برنامجاً جيداً على الورق قبل انتخابه، ولكن المؤكد أنه لن يُنفذ ولن يكون جاهزاً للتنفيذ بسبب العديد من الصعوبات المالية والإدارية والتنظمية. تمييع قضايا الفساد آخر حلقة في مسلسل الإمعان في تدمير الكرة السعودية لايهم الشارع الرياضي كل ماسبق بقدر ما يعنيه البحث ورصد أسباب الانهيار المستمر الذي بدأ في ملامسة أساسات وقواعد الرياضة السعودية وكرة القدم على وجه الخصوص، وهو مؤهل للقضاء عليها مادام الأمر سيستمر بهذه الطريقة، فالضعف والوهن الذي تعيشه كرتنا لن يزول طالما أن المؤسسة ذاتها لاتواجهه بنفسها وتتقوى بالأنظمة والقدرة على التغيير والاستقلالية وكبح جماح أي نافذ يسعى لتغيير القرارات والتأثير عليها. الاستقلالية والتصدي ل«النافذين».. وهيكلة اللجان والشفافية أهم خطوات الإصلاح عندما يطرق الفساد أبواب الرياضة وتظهر قضايا الرشوة، ويُغض الطرف عنها وتُميع بأسلوب فج لاينطلي على شارع رياضي نبيه وجمهور واعٍ، وحين يخرج صحافي ليقول إن لديه مايثبت ويُجمّد الأمر ويسجل ضد مجهول فهذا لايعبر إلا عن سطوة ونفوذ فئات لاتريد لرياضة الوطن الخير، وعندما لايُضرب بيد من حديد على المتجاوزين فهذا بمثابة منح الآخرين فرصة الإفساد في الرياضة، ليكون الفاسدون هم المستفيدون من هذا الضعف لتمرير مخططاتهم وبحثهم عن النجاح بالطرق الملتوية وغير المحترمة، وعندما تماطل المؤسسة الرياضية وتسوّف في الكشف عن الحقائق فلن يكون أحد تحت طائلة اللوم سواها. ريكارد لم يقدم أي جديد في عهد المسحل ومع إدارة أحمد عيد خطط ورقية عندما تُعطى الفرصة لإدارة المنتخبات السابقة للعبث بالمنتخبات، حتى وإن وضعت برامج وخطط جيدة للفئات السنية على الورق، دون أن يكون هناك مال كافٍ لتنفيذ هذه الخطط ومن ثم توريط اتحاد الكرة بديون كبيرة لايستطيع الوفاء بها بسبب ضعف مخصصاته الحكومية وقلة الموارد وضعف التسويق، فإن ثمة تساؤلاً جديراً بأن يكون حاضراً وهو من المسؤول وأين المؤسسة الرياضية من هذا كله؟ وحين تهضم حقوق الأندية ويتملص اتحاد كرة القدم الجديد عن مسؤوليته في منح الأندية حقوقها ويرميها على من سبقه - بحسب تصريحات أحمد عيد الذي نفى أن تكون ديون اتحاده 100 مليون ريال وأن موضوع حقوق الأندية أُحيل للرئاسة- وتوضع الأندية في وضع لاتُحسد عليه، دون أن تجد من يأخذ بيدها ويمنحها أي وعود بإنهاء مشاكلها المالية لتخفيف ماتعانيه الأندية، فمن المسؤول؟. سلطان السيف وعندما تسيء الأندية التصرف بالأموال حتى وإن لم تحصل على حقوقها، وترفع من قيمة عقود اللاعبين الذين لايستحقون ولو ربع مايحصلون عليه، وهنا نقول اللهم لاحسد، ويُمارس مسؤولو الأندية مايمكن تسميته ب"المراهقة الإدارية" من خلال البحث عن التلميع و"الشو" من خلال المزايدات والأرقام التي هم بأنفسهم بدأوا بالتشكي منها، وعندما يُقدم ناد على انتداب لاعب بأرقام فلكية وهو غارق بالديون دون أن يُقال له قف فمن المسؤول؟؟ وحين تُرمى كل الإخفاقات على شماعة الإعلام ويتملص المسؤول من مسؤوليته عن الخراب الذي أحدثه، ويُوصف الإعلام "كله" بأنه إعلام أندية، في وقت قدم الإعلام كل فنون النقد والتنبيه عن الخطر الذي يُحدق بالرياضة السعودية بكل ألعابها، وكرة القدم تحديداً، وعندما لايتم العمل على وقف خروج بعض من يشخصنون الأمور عبر الإعلام غير الوطني وينتصرون لذواتهم ويتراقصون على أحزان الجماهير السعودية ليقولوا "أنا صح" فمن المسؤول؟ لايمكن تجاوز كل ماسبق قبل البحث عن الحلول التي تمكّن كرتنا ورياضتنا من الوقوف على قدميها من جديد، ولايمكن إلقاء اللوم على وزارة المالية مثلاً وهي التي ترصد بدقة أين تذهب الأموال وكيف يُستثمر الشباب، ولايمكن تحميل كل مايحدث للهولندي ريكارد، فالخطأ ارتكبه من تعاقد معه وطاقمه بمبالغ طائلة دون أن يعرف إن كان هذا الهولندي مدرباً يعشق البناء والتحدي أم أنه مدرب يبحث عن فريق جاهز ليقوده بشكل تقليدي، فالتعاقد مع ريكارد كشف عن شيء واحد وهو إما أن من جلبه لايدرك ماذا يحتاج المنتخب أو أنه لايعرف من أي نوع هذا المدرب، وبالتالي تم الارتباط بمدرب لانحتاجه ولايحتاجنا! سيكون أحمد عيد على المحك، وستكون استقلاليته وشخصيته أمام أصعب امتحان، فإما أن يتم التعامل مع ماحدث بهدوء واتخاذ قرارات جريئة، وحين أقول جريئة فليس المطلوب الخروج بقرارات انفعالية ولكن قرارات يكون أحمد عيد وطاقمه نفسه مقتنعاً بها وأهمها إعادة هيكلة اللجان ووقف التجاوزات والتعامل مع الجميع بوضوح وشفافية وعدم الرضوخ لأي ضغوطات من أي نادٍ ومن أي شخصية والعمل على كشف جميع الملفات المُغيّبة والتواصل والقرب من الأندية وإقناعها بأي طريقة بالعمل بشكل مقنن على مستوى العقود الاحترافية للاعبين المحليين، إذ إن مايحدث الآن ماهو إلا إمعان في تدمير بقايا الكرة السعودية، وماعدا ذلك فلن يكون إلا مضيعة للوقت ودوراناً في فلك الإخفاقات، خصوصاً وأن عيد نفسه لاتنقصه الخبرة ولن يكون عذر قلة الخبرة أحد الأعذار المستخدمة إن أراد اتحاد الكرة الجديد السير بنفس طريقة من سبقوه.