لم تكن حالة التعاطي مع مباراة المنتخب السعودي أمام نظيره الإسباني بسخرية من قبل الشارع الرياضي إلا نتيجة طبيعية لعمل ارتجالي ظل سائداً لأكثر من عقد من الزمن، وأصبحت هذه النظرة التي يعتبرها كثيرون مستفزة هي الشغل الشاغل للمسؤولين والنقاد وحتى لاعبي المنتخب الذين أكدوا أنهم لن يستطيعوا اللعب طالما أن جماهيرهم تهزئ بهم قبل خوضهم للمباريات وتنظر إليهم بازدراء، وهو ما جاء على لسان قائد المنتخب أسامة هوساوي عقب نزال اسبانيا الودي. يجيد الشارع الرياضي صياغة الجمل الساخرة والنقد اللاذع على طريقته مؤكداً أن "شر البلية ما يضحك"، وحالة السخرية والتقليل من المنتخب قبل وأثناء المباراة كانت هي الحدث الأهم ليلة المباراة، إذ نقلت مواقع التواصل الاجتماعي تركيز السعوديين على مهاجمة منتخبهم بعد أن أمطر نجوم "الماتادور" الإسباني مرماهم بخماسية نظيفة، وهو أمر حرصت على متابعته عن كثب حتى أعرف إن كان السعوديون يكرهون منتخبهم أو أنهم يسخرون لأنهم يحاولون فقط مواساة أنفسهم أو حتى من أجل مسح مايسمونه (جيل النكبة) من ذاكرتهم. ربما تكون السخرية من المنتخب ولاعبيه أمر لايمكن تقبله، وهو ما ظهر من خلال ردود الفعل الإعلامية، إذ وجه إعلاميون ومتابعون انتقادات للجماهير السعودية بسبب سخريتها من منتخبها، غير أن هؤلاء لم يسألوا أنفسهم عن السبب الذي دفع الجماهير السعودية للتعامل مع فريقها الوطني بهذا الشكل، ومن أوصل الجماهير الرياضية لأن تسخر من منتخب وطنها؟ التاريخ يقول إن الجماهير السعودية ظلت واقفة مع منتخبها منذ عقود بل إن الملاعب التي احتضنت بطولات الخليج وآسيا وحتى التصفيات المؤهلة لكأس العالم، وتلك الجماهير كانت حاضرة في الدوحة والمنامة والكويت وغيرها، لأن ثمة عمل منظم وجهود مميزة وإنفاق وحوافز كثيرة كانت موجودة، فضلاً عن لاعبين يقاتلون من أجل رفعة سمعة بلدهم قبل البحث عن العقود والملايين وغيرها، لكن هذه الجماهير باتت تتابع التقدم الذي تعيشه الدول الأخرى وتتحسر على وضع رياضتها ككل وكرة القدم على وجه التحديد، إذ ظلت الألعاب الأخرى خارج مسار التفوق، وكانت الكرة السعودية تحقق المنجزات في كرة القدم، لذا فمن الطبيعي أن تكون ردة فعل الجماهير عنيفة وهي تشاهد هذا الانهيار المعروفة أسبابه لمن يتابع جيداً ماذا يحدث في الكرة السعودية. مؤكد أن السخرية من المنتخب الوطني والاستهزاء حالة غير طبيعية، ولكن ما لا يمكن تجاوزه هو تغطية فشل المنتخب طيلة الاعوام الماضية في تحقيق أي شيء للكرة السعودية ومحاولة رمي التهم على الجماهير أو الإعلام، إذ على إدارة كرة القدم السعودية وأعني هنا اتحاد الكرة وإدارة شؤون المنتخبات الوطنية وإدارة الاندية الوقوف طويلاً أمام المسببات التي تجعل منتخبنا الأول بهذه الصورة. انتقادات كثيرة توجه لمدرب المنتخب السعودي الهولندي فرانك ريكارد ولطريقته بسبب ضياع الهوية الفنية للمنتخب والمنتقدون هنا مُحقون في ما يقولون، غير أن كثيرين يتجاهلون الأسباب التي جعلت ريكارد ليس أوفر حظاً ممن سبقوه وهو يجد نفسه أمام مهمة شبه مستحيلة من أجل الوصول لقائمة أساسية تستحق الثقة، متناسين أن المدربين السابقين مثل بيسيرو وناصر الجوهر وغيرهم وكذلك المدرب الحالي بإمكانهم فعل شيء جيد لو أن الأسس التي بني عليها المنتخب كانت سليمة. يقف مدرب المنتخب عاجزاً عن إيجاد اسم يستيطع اللعب بجانب المدافع أسامه هوساوي، ويضطر للزج بالظهير الأيسر كامل الموسى في متوسط دفاع، ويطلق ريكارد تصريحاً بعد الهزيمة الرباعية من استراليا ويؤكد أنه سيستغني عن 60 بالمئة من لاعبي المنتخب، لكنه لا يفعل، ليعود في أول المباريات الودية ويدفع بخمسة ممن شاركوا في نزال ملعب "ايمي بارك" في ميلبورن، ولم يطرح أي من المحللين سؤالاً مفاده لماذا لم يأتِ ريكارد بأسماء جديدة تشارك في القائمة الأساسية؟. تعاني الكرة السعودية من ضعف في جميع المراكز ونقص في المواهب، وارتجالية في العمل الإداري وضعف في تنشئة اللاعبين وصقل عقولهم قبل أجسادهم ومواهبهم، فضلاً عن شح مالي يعجز اتحاد الكرة عن معالجته منذ اعوام، وكذلك سوء في البرمجة واللوائح وانحدار في مستوى الحكام، وكذا المنشآت، ومع هذا يتساءل الكثيرون لِمَ يسخر الجمهور السعودي من فريقه الوطني؟.