يتساءل كثير من المواطنين عن مدى انعكاس مخرجات التعداد السكاني -الذي تجريه مصلحة الإحصاء العامة والمعلومات كل عشر سنوات- على تلبية احتياجاتهم حاضراً ومستقبلاً، حيث لا تزال المشاكل الرئيسة (الصحة، الإسكان، العمل، الشؤون الاجتماعية، النقل العام) قائمة، وفي تزايد مستمر، رغم تنفيذ أربع عمليات إحصاء كان أولها في عام 1394ه وآخرها في عام 1431ه، وهو ما يفسره البعض على أن هناك فجوة بين خطط التنمية وما تقدمه الإحصاءات العامة للتعداد من جهة، وبين الجهود المبذولة من معظم الوزارات، والهيئات، والأمانات المسؤولة عن التخطيط وتنفيذ المشروعات من جهة أخرى. وينتظر المواطن أن تنعكس أرقام التعداد السكاني إلى واقع يترجم الكثافة السكانية المتوقعة، فمثلاً مدينة مثل الرياض سوف يصل ساكنوها في عام 2025م إلى حوالي (9.5) ملايين نسمة، ومناطق أخرى تنمو بسرعة، ولها احتياجات من البنية الأساسية، خاصة التعليم والصحة وتوفير المخططات السكنية المتاحة لهم، إضافةً للنظر في حجم البطالة وكيفية علاج هذه المشكلة التي ينتج عنها العديد من الظواهر السلبية، حيث من المفترض من التعداد أن يوفر كافة المعلومات للجهات المسؤولة عن احتياجات الأسر بمختلف جوانبها، خصوصاً لمن يوجد لديهم أفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة، وعاطلين، ومطلقات، وأرامل، ومرضى نفسيين، ومتقاعدين، وعاجزين، وحتى ممن يملكون أطفالاً مصابين بأمراض مختلفة كالتوحد، كما تساهم الإحصاءات في توفير المعلومات للجهات البحثية المهتمة بمعرفة نسب فئات المجتمع؛ لتقدم دراساتها وتوصياتها للتعامل مع كافة الظواهر والسلوكيات التي قد تنتج عن الفقر، والبطالة، والعنوسة، والطلاق. مجتمع ينمو سريعاً ومشاكله الرئيسة مستمرة: الصحة، الإسكان، العمل، الشؤون الاجتماعية، النقل العام تحليل التعداد ورأى بعض المختصين أنّ التعداد ومعرفه إحصائيات السكان ليست هدفاً أوحد للعملية، بل هناك أهداف عديدة يفترض أن تصل لها مختلف الجهات والوزارات من خلال التعداد السكاني، حيث إنّ أهم الأهداف المفترض تحقيقها هو معرفة مشاكل السكن التي يعاني منها المواطنون بعد الزيادة في نسبة السكان وشح الأراضي وارتفاع أسعار مواد البناء؛ مما سبب تكدساً كبيراً لأفراد العائلة داخل المنزل الذي تحول إلى مجموعة شقق صغيرة في أفضل الأحوال، فبعد أربع عمليات للتعداد السكاني لم يتم ملاحظة مشروعات وقرارات مبنية على إحصائيات التعداد التي تُعلن في وسائل الإعلام وعبر موقع مصلحة الإحصاء العامة والمعلومات مؤخراً، خصوصاً وأنّ مشكلة المساكن تتفاقم سنوياً، إضافة لزيادة نسبة البطالة بين الشباب من الجنسين، مع تزايد الشكاوي على مستوى الصحة وخدماتها التي لا تغطي حجم السكان في العديد من المناطق، عطفاً على صعوبة إيجاد الأسرة والحصول على المواعيد. وعلى الرغم من الجهود المبذولة في إحصاء سكان المملكة الذي يعد من أضخم المشروعات التي ترصد متوسط النمو السنوي الفعلي للسكان، إلاّ أنّ هناك فجوة بين مختلف القطاعات في التعامل مع البيانات والإحصاءات المتوفرة من قبل عملية التعداد وتحليلها، بشكل يساهم في بناء نهضة البلاد. وبيّنت الإحصاءات المعلنة من قبل مصلحة الإحصاء العامة والمعلومات أنّ معدل نمو السكان بالمملكة لعام 2011م بلغ (2.28%)، وذلك بعد أن وصل عدد السكان في التعداد الأخير (28.376.355) نسمة منهم (19.405.685) مواطنون، وكان عدد السكان في أول تعداد عام 1394 ه قد بلغ (7.009.466) نسمة منهم (6.18.361) مواطناً. برامج التنمية وذكر "فضل ابوالعينين" -خبير اقتصادي- أنّ التعداد السكاني بتفاصيله وبياناته المتشعبة يعتبر من أهم البيانات التي تحتاجها وزارة التخطيط لوضع البرامج الإستراتيجية على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، حيث لا يمكن وضع مشروعات تنموية دون الإحاطة بنسب النمو السكاني المتوقع، لذلك يعتبر التعداد من أهم المشروعات التي تبنى عليها برامج التنمية وفق خطط إستراتيجية مدروسة لتحقيق الأهداف المرجوة، مضيفاً أنّ هناك تناغماً بين الخطط التنموية والحاجة السكانية، ولكن ينبغي الاعتراف بأنّ المشروعات التنموية توقفت لعقد من الزمن لأسباب خارجة عن الإرادة، إلاّ أنّها عادت وبقوة من خلال زيادة الإيرادات التي سمحت بالتوسع في مشروعات التنمية، ويؤكد على ذلك حجم الإنفاق الذي وصل إلى (4000) مليار ريال في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى وجود بعض المعوقات التي تساهم في تأخير الخطط والإستراتيجيات المفترض العمل بها بعد عمليات التعداد السكاني، مثل عدم قدرة الاقتصاد على تحمل المزيد من الإنفاق الحكومي بتأثيراته الجانبية على تكلفة المعيشة، وعدم وجود كفاءة تنفيذية في بعض وزارات الدولة بما يعيق خطط التنمية، إضافةً لقصور قطاع الأعمال والقطاع الخاص الذي يفترض أن يكون أكثر كفاءة في تحمل جزء من احتياجات التطوير، ومن ذلك خلق وظائف تساهم في التقليل من نسبة البطالة. تخطيط استراتيجي وقال "د.طامس بن علي الحمادي" -عضو المجلس البلدي لأمانة المنطقة الشرقية والمتحدث الإعلامي للمجلس-: "من المفترض أن يوازي النمو السكاني خطط تنموية من كافة الجهات ذات العلاقة، من أجل تحقيق الحد الأعلى لمتطلبات النمو، ومن هذه الخطط على سبيل المثال خطط الإسكان، والصحة، والتعليم، والصناعة، والمشروعات والخدمات البلدية، وهنا تكمن أهمية التعداد السكاني الحقيقي كمؤشر لقياس احتياجات المجتمعات وتطورها وبناء تلك الخطط على ضوئها، بحيث تكون مخرجاتها كافية لتغطية تلك الاحتياجات، وشاملة لكافة البرامج والأنشطة التنموية"، مبيّناً أنّ وزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة في الأمانات والبلديات تعد واحدة من الجهات المعنية بالتخطيط لاستيعاب النمو السكاني، وإيصال كافة الخدمات والمشروعات البلدية له، والعمل على تهيئة الأحياء والمدن للتوسع المستقبلي، وذلك بالتنسيق مع الجهات الأخرى ذات العلاقة بالمياه، والكهرباء، والنقل، وغيرها من الأمور المتعلقة باحتياجات السكان. تحقيق الأهداف وأضاف "د.الحمادي" "يعتبر التعداد السكاني المقياس الأساسي لوضع الأنشطة والبرامج والخطط التنموية اللازمة لتطور المجتمعات وتحقيق سبل العيش الكريم والرفاهية لها، ولكن للأسف لم يتم وضع الخطط بالشكل المناسب والإفادة من التعداد بسبب مجموعة من العوائق أهمها ضعف الأداء لبعض المؤسسات، والتخطيط المبني على معطيات غير صحيحة، وأحياناً المخصصات المالية غير الكافية لتنفيذ الخطط إما بسبب التقدير الخاطئ، أو بسبب تأخير تنفيذها لسنوات فتتضاعف القيمة عدة مرات، وهنا تؤثر هذه العوائق بكل تأكيد على مدى إمكانية تحقيق الأهداف والبرامج المحددة في الخطط التنموية". وأشار إلى أنّ من مهام المجلس البلدي مراجعة كافة المخططات السكنية وإبداء المرئيات والمقترحات عليها طبقاً لما نصت عليه الأنظمة واللوائح الخاصة بالتخطيط العمراني بعد اعتمادها من الأمانة، مبيّناً أنّ التوسع السكاني يعتبر أحد العوامل الرئيسة في التخطيط السليم للمدن، وتأخذه الأمانات والبلديات في الاعتبار بإعداد التخطيط العمراني المطلوب.