بين الوافد الأجنبي والمقيم المولود عوامل مشتركة واختلافات جمة؛ يشتركون في تساوي حقوقهم والواجبات داخل بلادنا، ولكنهم يختلفون في حبهم لتراب هذه الأرض وانتمائهم لها، والبون شاسع بين من خُلِق بيننا واكتسب عاداتنا، وبين من هو قادم للتو من بلاده ولا يعرف عنّا شيئا سوى أنّها مكان يريد أن يكسب منه لقمة عيشه.. والكثير من المواليد المقيمين في المملكة هم مواطنون ولكن بدون جنسية.. مواطنون بحبهم لهذا البلد.. مواطنون لأنّهم لا يعرفون وطناً غير هذا الوطن.. مواطنون لأنّ منهم من لم يزر بلاداً أخرى -حتى التي يحمل جنسيتها-.. مواطنون لأن منهم من قد يكون جده مولوداً هنا.. مواطنون لأنّ منهم من يخطط لإكمال بقية حياته بيننا، بينما الوافد يخطط لجمع أكبر قدر من المال ويغادر.. الانتماء للوطن هوية لا يتطلب إلاّ حب هذه الأرض وعشقها، والكثير من غير السعوديين عشقوا المملكة كما لو كانوا سعوديين وأكثر، والكثير منهم أصبحوا بحكم السعوديين كونهم تربوا وتعلموا بيننا، وتأثروا بمجتمعنا، وعاداتنا، وتقاليدنا. ولاشك أنّ من المسلمات أن لكل بلد مطلق الحرية في كيفية منح الجنسية، ووضع الشروط التي ترى أنّها هي الأنسب لمنحها، ولكن من باب التفريق بين مواليد المملكة وبين الوافدين هناك من يرى أن يمنح المواليد مميزات في الإقامة تختلف عن الوافدين، بحيث يمنح إقامة دائمة بدون كفيل، خاصةً لمن تجاوز سن ال(20) سنة وهو لم يغادر البلاد، إلاّ في رحلات محددة، إلى جانب إكمال دراسة المرحلة الثانوية، لأنّ هذا الشخص يكون قد تشبع ثقافة البلد، وظهرت عليه علامات استحقاق هذه الميزة من عدمها، فبين هؤلاء عددٌ كبير من المبدعين والمتميزين، الذين يمكن أن تستفيد منهم المملكة ويسهل ذلك حبهم للبلاد وتعلقهم بها. من دون مميزات وأشارت بعض الأرقام إلى أنّ المواليد المقيمين في البلد يصلون إلى (2.000.000) شخص، وبعضهم يشكل الجيل الثالث والرابع من أسرة لا تعرف بلاداً غير هذه البلاد، وهؤلاء لو منحوا الإقامة الدائمة وتخلصوا من الكفيل فسيعطون أكثر في عملهم، وهم أجدى اقتصادياً للوطن؛ لأنّهم ينفقون ما يجنونه داخلياً عكس الوافد الذي يحول معظم دخله للخارج، ووثيقة الميلاد في المملكة لم تمنح حاملها المقيم أي ميزة في نقاط الحصول على جنسية المملكة، على الرغم من أنّه في بعض الدول يعتبر المولود مواطناً، وفي شروط الحصول على تأشيرات الهجرة للولايات المتحدةالأمريكية يعتبر الشخص منتمياً للبلد الذي ولد فيه بغض النظر عن البلد الذي يقيم فيه أو الذي حصل منه على الجنسية، وهؤلاء المقيمون يحملون شهادات ميلاد سعودية، ويمارسون الثقافة والعادات نفسها التي تمارسها الأسر في المملكة، ويتلقون التعليم ذاته الذي يتلقاه المواطن العادي بالمدارس، ويرددون النشيد الوطني في صباح كل يوم دراسي ويحفظونه كأي مواطن آخر، ويلتزمون بالزي السعودي في المدارس والأعمال وحتى في حياتهم الخاصة، ويتحدثون اللهجة المحلية ككل السعوديين، فهم مواطنون في الحقيقة ووافدون في الأوراق الثبوتية!. العمل بدون كفيل وقال «عبدالمجيد» -مقيم مولود في المملكة- انّ الجميع يعي ويفهم جيداً أنّ لكل دولة قوانينها وسيادتها وقيادتها التي تحتم عليها وضع مصالح أبنائها أولاً وجزء لا يتجزأ من أهدافها، مضيفاً: «لكن المواليد بشر لهم حقوق وعليهم واجبات، ولا يعني أنّ القوانين لا تصب في مصلحتنا أن نتنكر لهذا البلد الذي ولدنا فيه، وتربطنا به علاقات إنسانية ووجدانية، نحن نتمنى أن نحظى ببعض المميزات التي تساعدنا على الاستقرار أكثر، والتفرغ للعمل بعيداً عن المنغصات التي نواجهها الآن خاصة فيما يتعلق بالكفالة، وأعتقد أننا الآن وصلنا لمستوى يؤهلنا أن نستحق العمل بدون كفيل مثل ما هو حاصل مع المستثمر الأجنبي، بل نحن أحرص على البلد منه، فقد ساق القدر أجدادنا في رحلة بحثهم عن لقمة العيش والبحث عن الأمان لهذا البلد المبارك، فوجدوا ذلك في ظلل حكم «آل سعود» العادل، وبعد مرور السنين ذهب الأجداد إلى جوار ربهم، ولحقهم الآباء، وبقي الولاء لتراب هذا الوطن الذي يغرسونه في أرواح أبنائهم». حق سيادي وقالت «د.فاطمة الأنصاري» -ناشطة حقوقية-: «منح الجنسية حق سيادي لكل دولة، والمساواة بين المقيمين عدل، ولكن من خلال نظرة اجتماعية واقتصادية؛ فإنّ المقيمين المولودين في بلدنا وعاشوا سنين طويلة بيننا هم أفضل لنا؛ لأنّهم اكتسبوا عاداتنا وانسجموا في مجتمعنا وأصبحوا جزءاً منه، وأيضاً اقتصادياً هم ينفقون أموالهم في داخل البلد ولا يحولون أموالاً طائلة للخارج؛ مثل الوافد الذي أتى بحثاً عن جمع مبلغ معين والعودة إلى وطنه». مساهمة في التنمية وأضافت «د.فاطمة»: «يمكن لمن لم يحمل الجنسية أن يكون سعودياً في أدائه، وإنجازه، وحبه للوطن، وهناك كثيرون ممن ساهموا في تنمية البلد بعملهم وعشقهم للسعودية منذ قيام الدولة دون أن يحصلوا على الجنسية، والتي فتحت أذرعتها للكثير من الأقليات الإسلامية المهاجرة بدينها من بلادها إلى المملكة، وأصبحوا جزءاً من التركيبة السكانية، وتجد عدداً كبيراً من أبنائهم لا يعرفون وطناً سوى الأرض التي ولدوا عليها». نطاقات الجنسية واشارت «د.فاطمة» إلى أنّه سبق وأن قرأت مقترحا جميلا بأن يقسم نظام الإقامة في المملكة بشكل يشبه نظام (نطاقات) الخاص بوزارة العمل، حيث تكون هناك عدة درجات يخضع لها غير السعودي المقيم في المملكة، تتعلق بعدد سنوات إقامته ومدى حسن إقامته في المملكة، حيث يكون حديث الإقامة في البلاد ضمن التصنيف (ج)، ومن تجاوزت سنوات إقامته عشر سنوات يدخل ضمن التصنيف (ب)، أما المولدون والذين مضى على إقامتهم في المملكة أكثر من عقدين فيكونوا في التصنيف (أ) الذي يمكنهم من حمل إقامة بدون كفيل، متمنيةً أن يتم طرح موضوع منح الإقامة بدون كفيل للمواليد في مجلس الشورى لتجرى له دراسات ويتخذ فيه القرارات اللازمة، فمثل هذه القرارات تحجم تجار «الفيز» الذين جلبوا مئات الآلاف من العمالة، وأغرقوا السوق بعمالة رديئة ومتواضعة في تعليمها وفي مهنيتها. حقوق الإنسان وأكّد «د.حسين الشريف» -المشرف العام على فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بمنطقة مكةالمكرمة- على أنّ منح الجنسية حق سيادي ليس له علاقة بحقوق الإنسان، وفي معظم دول العالم تمنح الجنسية على الدم وليس على الولادة التي لا يأخذ بها في أي تأثير قانوني، وإن كانت هناك بعض الدول مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية تمنح الجنسية للمولود على أراضيها، مضيفاً أنّه ليس هناك سبب لتمييز المقيم المولود في المملكة عن المقيم العادي؛ لأنّ النظام يطبق على الكل سواسية، مبيّناً أنّ المولود الذي يكون على كفالة والده ويحين موعد فصله عن إقامة والده لأنه بلغ السن القانونية، ويكون هذا المولود لا يعمل ولا يدرس وفي الوقت نفسه لا يعرف شيئاً عن بلده الأصلي وأسرته مستقرة في المملكة، فالأفضل أن يبقى على كفالة والده إلى أن يجد عملاً أو أن يوجد له حل آخر، موضحاً أنّ الأمر يحتاج إلى دراسة أكبر للخروج بتوصيات أفضل. د.حسين الشريف د.فاطمة الأنصاري