بمناسبة الاحتفال مؤخرا بيوم الأغذية العالمي السنوي أكدت منظمة "الفاو" أن عدد الذين لايزالون يشكون من الجوع وسوء التغذية يقدر اليوم بحوالي 870 مليون شخص يوجد أغلبهم في القارة الإفريقية وأن سوء التغذية لايزال يتسبب كل يوم في وفاة عشرة آلاف طفل. ورأى جوزيه غرازيانو دا سيلفا مدير عام المنظمة الدولية أنه بإمكان الأسرة الدولية خفض هذا العدد حتى النصف في غضون السنوات الثلاث المقبلة في حال اتخاذ إجراءات كثيرة من أهمها رفع نسبة الاستثمار في المشاريع الزراعية بالمناطق الريفية التي يعمل فيها صغار المزارعين وتهيئة مخازن احتياطية لوقت الشدة لاسيما في البلدان النامية وإعادة النظر في أساليب الزراعة المكثفة. خبراء ل«الرياض»: الرجوع إلى أساليب الزراعة التقليدية كفيل بضمان الأمن الغذائي لسكان العالم والملاحظ بشأن الاستثمارات الزراعية أنها انخفضت من نسبة عشرين في المائة إلى أربعة في المائة من ثمانيات القرن الماضي إلى الآن. وأما مسألة المخازن الاحتياطية فإنها حظيت باهتمام كبير لدى وزراء كثير من البلدان ممن شاركوا في روما في احتفال المنظمة الدولية باليوم العالمي للأغذية. وقد أطلق هذا اليوم في السادس عشر من شهر أكتوبر عام 1979. وكان ستيفان لوفول وزير الزراعة الفرنسي من الوزراء الذين حرصوا من على منبر منظمة " الفاو" على التأكيد على استعداد بلاده للمساهمة في تهيئة مثل هذه المخازن لاسيما في البلدان النامية التي تشكو أكثر من غيرها من تقلبات أسعار المواد الغذائية الأساسية والتي تستورد جزءا هاما من هذه المواد. الزراعة البيئية وشدد كثير من الخبراء الزراعيين بمناسبة الاحتفال هذه السنة بيوم الأغذية العالمي على ضرورة الرجوع إلى أساليب الزراعة التقليدية واستخدام العلم والمعرفة على نحو يجعلها قادرة على ضمان الأمن الغذائي بالنسبة إلى سكان العالم والذين يبلغ عددهم اليوم سبعة مليارات شخص ويتوقع أن يرتفع العدد إلى تسعة في منتصف القرن الجاري. وفي هذا الصدد أكد مجموعة من الخبراء الفرنسيين في تصريحات خصوا بها " الرياض" أن التعاون بين المهندسين الزراعين من جهة والمزارعين من جهة أخرى كفيل بتحقيق هذا الهدف. بل إن ماري مونيك روبيون الخبيرة الفرنسية في المواد الزراعية الأولية قالت ل"الرياض" إن استخدام تقنيات المقاومة الحيوية واللجوء إلى أساليب الزراعة البيئية الأخرى أثبتا في بلدان كثيرة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية أنه بإمكان صغار المزارعين النجاح بسرعة في رفع الإنتاج والإنتاجية والحفاظ على أتربة الأراضي الزراعية من التدهور البيئي. وأضافت الخبيرة تقول إن أحد العوامل الأساسية المتسببة في المجاعة وسوء التغذية في العالم اليوم يتمثل في إجهاد أتربة الأراضي الزراعية عبر طرق الزراعة المكثفة ومنها الإفراط في استخدام الأسمدة الكيميائية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأخيرة زارت خلال السنوات الثلاث الأخيرة أكثر من خمسين بلدا من البلدان النامية وتعرفت عن كثب على تجارب كثيرة تندرج في إطار الزراعة البيئية والتي يتجاوز مفهومها بكثير مبدأ الزراعة العضوية. وقد استمدت من هذه الزيارات وثيقة هامة أصدرتها في كتاب وفي فلم عنوانهما "حصاد المستقبل بصيغة الجمع". وتحدث بيار رابحي الخبير الزراعي الفرنسي من أصل جزائري ل"الرياض" عن أهمية توظيف العلم والمعرفة في عملية الرجوع إلى إعادة الاعتبار إلى أساليب الزراعة التقليدية فقال إن المستقبل للحقول التي تتداخل فيها المزارع المخصصة للحبوب مثلا مع الأماكن التي تزرع فيها أشجار مثمرة أو أشجار طبيعية انطلاقا من مبدأ التكامل والتعاضد بين الأنظمة البيئية المصغرة ومنظومة التنوع الحيوي .ولا بأس أن نشير هنا إلى أن هذا الخبير يعتبر اليوم عراب منظومة الزراعة العضوية في فرنسا. وقد نجح في إعادة الاعتبار إلى النشاط الزراعي في كثير من الواحات ببلدان المغرب العربي. ورأى بيار بلان الخبير الفرنسي المتخصص في الموارد المائية أن صغار المزارعين في البلدان النامية التي تطرح فيها دوما مشكلة شح المياه قد تراكمت لديهم معارف بمرور الوقت على المهندسين الزراعيين أخذها في الحسبان لتطويرها ونقلها لاسيما إلى التعاونيات الزراعية التي جعلت منها منظمة الأغذية والزراعية محورا أساسيا من محاور الاحتفال هذا العام بيوم الغذاء العالمي. هدر المواد الغذائية أما المنظمات والجمعيات التي تعنى بالتصدي للجوع وسوء التغذية في العالم فإنها ركزت هذا العام على سبل مواجهة مشكلة هدر المواد الغذائية. وهي تطرح بحدة في البلدان النامية والبلدان المتقدمة. وجاء حسب تقارير أعدتها هذه المنظمات أن أربعين في المائة في المواد الغذائية الصالحة للاستخدام يرمى بها في سلة المهملات بشكل متعمد أو عن غير قصد. وقدمت المنظمات الفرنسية طوال الأيام الأخيرة نصائح للمستهلكين ترمي إلى الحد من هدر المواد الغذائية منها مثلا ضرورة معرفة قواعد حفظ الغذاء والسعي إلى شراء المواد الغذائية عندما تكون بطون المستهلكين مملوءة لا خاوية لأن البطن الخوية تدفع صاحبها إلى الإفراط في تقدير حاجاته الغذائية. ويتضح أن هذه المنظمات قادرة على إطعام عشرة آلاف شخص ينتمون إلى فئة الفقراء في باريس وحدها على امتداد فصول السنة وأن ذلك يتأتى من مواد غذائية لا تعرضها المحلات التجارية للبيع لا لأنها فاسدة بل لأنها صغيرة الحجم أو أن حجمها لا يروق إلى المستهلك.