اليوم هو أول أيام 2013م، أردت أن أترك هموم السياسة والشأن العام إلى الإيغال في عمق المشاعر الإنسانية خاصة وأن التوازن بات شبه منعدم في حياتنا بين متطلبات الجسد والعقل والروح، وأصبح طغيان أحدهما مألوفا. والغالب أن العمل عند بعض الناس يحصد جلّ الوقت والاهتمام، وعند آخرين لا ينافس اللهو شيء آخر، وصنف ثالث أتعب عقله بالنفاذ في عمق الظواهر يفسرها ويعيش في كنفها تقلّبه كيف شاءت؛ ومصيره غالبا إما الجنون أو الجلطات. السيد جوجل (GOOGLE) اختار السعوديين أكثر شعوب الأرض رومانسية في عام 2012م حيث كانوا الأكثر بحثاً عن الورد، وهو على خلاف ما تتندر به السعوديات. وإنسان هذه الجزيرة هو أكثر شعوب الأرض رومانسية إذا كانت الرومانسية ترفاً، وقيست الحالة العاطفية بخشونة البيئة التي يعيش فيها. فذلك العربي الجاف تصرعه لواحظ العيون؛ فيغدو ذلك الرجل الصلب الذي تتكسر على جسده النصال من الهشاشة بحيث تقتله نظرة طرف ناعس: وقولوا لها يا منية النفس إنني قتيل الهوى والعشق لو كنت تعلمي ولا تحسبوا إني قتلت بصارم ولكن رمتني من رباها بأسهم مهذبة الألفاظ مكية الحشا حجازية العينين طائية الفم وروى الأصمعي: بينما كنت أسير في البادية، إذ مررت بحجرٍ مكتوبٍ عليه هذا البيت: أيا معشر العشاق بالله خبروا إذا حلّ عشقٌ بالفتى كيف يصنعُ يقول: فكتبت تحته التالي: يداري هواه ثم يكتم سرّهُ ويخشع في كل الأمور ويخضعُ يقول ثم عدت في اليوم التالي فوجدت مكتوباً تحته هذا البيت: وكيف يداري والهوى قاتل الفتى وفي كلّ يومٍ قلبه يتقطّعُ فكتبت تحته البيت التالي: إذا لم يجد صبراً لكتمان سرهِ فليس له شيءٌ سوى الموت ينفعُ يقول الأصمعي: فعدت في اليوم الثالث، فوجدت شاباً ملقىً على ذلك الحجر ميتاً، ومكتوب تحته هذان البيتان: سمعنا أطعنا ثم متنا فبلّغوا سلامي إلى من كان بالوصل يمنعُ هنيئاً لأرباب النعيم نعيمهمْ وللعاشق المسكين ما يتجرعُ وعند العرب في عصرهم الرومانسي الذي ذكّرنا به السيد الوقور "جوجل" ليس موت العشاق مستغرباً وإنما الغريب ألا يموتوا من العشق: وما عجبي موت المحبين في الهوى ولكن بقاء العاشقين عجيب ولذلك فإن المرأة ذلك الكائن الرقيق الذي لم يكن بعض القوم يقيمون لها وزناً كفيلة بصرع ذوي الحجا والألباب، وقد أحسن جرير كعادته عندما وضع المرأة في موقع قوتها الحقيقية بقوله: إن العيون التي في طرفها حورٌ قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعنَ ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا وليس كما يظن البعض أن الحب شريعة المفرّطين في دينهم، البعيدين عن ربهم، وإنما هو نعمة يهبها الله في قلوب عباده الذين رزقهم الرحمة. والحب في كل شيء ميزة تزيد الإنسان رقيّا ورجولة لأنها قبس من الرحمن يضيء عتمة الصدور، ومن نزع الله من قلبه الحب والرحمة فكأنما هو جلمود صخر يتدحرج ثقيل الوطأة على هذه الأرض؛ تبغضه حتى الحجارة التي يدب فوقها. ولأن النسّاك ليسوا بمأمن من نفحات العشق والهوى، فقد بالغ أحدهم في الترويج لبضاعته بمقاربة جميلة عندما قال: قل للمليحة ذي الخمار الأسود ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبد قد كان شمّر للصلاة ثيابه حتى وقفتِ له بباب المسجدِ ردي عليه صلاته وصيامه لا تقتليه بحق رب محمد ويسجل التاريخ العربي أن سلاطين وملوكاً خضع جبروتهم لمنطق الحب، وترققت مشاعرهم بمعاقرة عبارات التشبب، فلم يزد ذلك صيتهم إلا ذيوعا، ولا مكانتهم إلا سموقا. إن خفقة قلب بالحب تنعشه سنينا، والفؤاد لا يختار متى يحب، ولا من يحب ولكنه يستسلم لسلطان العشق عندما يغشاه، ولله في خلقه شؤون، وللقلب في هواه شجون، وللشجن طيره، وللسعادة نصيبها في الحب، فافتحوا له نوافذ قلوبكم، ولا تقيدوه أو تحجروا عليه، ولا تتذرعوا بالوقار، فقد قال الشاعر: قد كنتُ أحسبني كبرتُ على الهوى وتركتُ أحلام الصبا ودلالها حتى رأيت ظباء أبها رتّعا والسحر يرتع في الجبال حيالها فإذا الوقار يلومني ويقول لي العب وشارك في الصبا أطفالها