تتفاوت هموم الأطباء بين حلم التميز المهني لخلق معجزة ترسم ابتسامة على وجه مريض، وواقع وظيفي لا يوازي الطموحات، حيث ان ساعات العمل مرهقة جداًّ وتنعكس سلباً على المريض والطبيب، مما يؤكد إعادة النظر في الامتيازات المُقدمة للأطباء، وكذلك تخفيف الأعباء اليومية، حتى لا يُساهم ذلك في الإرهاق والتعب وعدم التركيز، وبالتالي وقوع بعض الأخطاء الطبية التي لا يُمكن تداركها أو وضع الحلول لها، فالطب مهنة إنسانية بالدرجة الأولى، والعائد والتحفيز مهمان جداًّ للإبداع وعدم الوقوع في الأخطاء. وخطا الأطباء في المملكة خطوات كبيرة في تطوير الرعاية الصحية؛ نتيجةً لمهاراتهم وتميّزهم محلياً وعالمياً، إلاّ أن غياب التخطيط السليم والخبرة في إدارة الموارد البشرية، نتج عنه قرارات انعكست سلبياً على الأداء، منها الإصرار على مساواة الأطباء في المكافآت بغض النظر عن مجهودهم ومهاراتهم، وما اختلاف عطاء وسلوك الطبيب نفسه بين القطاع الخاص والعام، إلاّ دليل على فشل الإداري للقطاعات الحكوميّة في الاستغلال الأمثل لتلك الثروة البشرية، كما أن بعض الأطباء يعاني من قلة مراكز التدريب، التي تساهم في عدم قدرة البعض على تطوير نفسه في التخصص، وبالتالي بقاء حاله على ما هو عليه!، دون مواكبة لأي مستجدات في المجال الطبي. زيادة الأعباء على الطبيب تُشتت ذهنه وتُضعف تركيزه ومن الصعوبات التي تواجه الأطباء في المملكة غياب معايير التقدير، فهناك من هو مشهور محلياً وعالمياً نظراً لتميزه، إلاّ أنه لم يحظَ بالتقدير المطلوب، لعدم وجود آلية واضحة لتصنيف الأطباء تبعاً لمهاراتهم وجهودهم، وهو ما يؤثر سلباً على أداء الطبيب المتميز، فإما أن نفقده أو نفقد نشاطه وهمته!. أخطاء وإهمال بداية قالت «د.فاطمة العايش» -قسم الباطنية في مستشفى الملك خالد الجامعي-: ان للطبيبة هموما تختص ببيئة العمل، من أهمها توفر الحضانة المؤهلة بكوادر وطنية مدربة داخل المستشفى؛ لأن الحضانة الموجودة حالياً دون المستوى المطلوب، وهذا أكبر عائق وظيفي يحد من الإنجاز طوال ساعات العمل، خاصةً في المناوبات، التي تتجاوز الثلاثين ساعة أسبوعياً، مضيفةً أن الإرهاق الجسدي والعقلي للطبيب طوال ساعات العمل، يفترض أن يوازيه امتيازات توفر له الراحة في جوانب عدة، مبينةً أن تمديد ساعات العمل يجب أن يكون اختياريا حتى في ظل الامتيازات، مراعاةً للفروقات التي من ضمنها القدرة والظروف الاجتماعية، معتبرةً ذلك عاملا مساهما في الأخطاء الطبية والإهمال غير المتعمد. وأضافت أن النظام بوضعه الحالي غير عادل للمريض ولا الطبيب، ذاكرةً أن الطب مهنة إنسانية بالدرجة الأولى، والعائد والتحفيز والتخيير مهمة جداً للحماية من الأخطاء الطبية. شح بعض التخصصات يزيد من حالات المرضى على الطبيب المناوب إعلام مُقصّر وأرجعت «د.أشواق الفقيه» -أخصائية الغدد الصماء والسكري في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض- القصور في الجانب الطبي، إلى ضغوطات العمل، فالمريض والمهام الوظيفية تأخذ جُل وقت الطبيب. وعن محدودية مراكز التدريب قالت: اضطررت إلى الابتعاد عن مقر إقامتي لمدة (11) عاماً للتدريب والحصول على درجة الاستشارية في تخصصي، التي يعزف عنها كثير من الأطباء بسبب قلة المراكز، وزيادة ساعات العمل، مؤكدةً على أن الساحة الطبية تضم نخبة مميزة من الأخصائيين والاستشاريين ذوي خبرة ومهنية عالية، إلاّ أنهم مُقلون في الظهور الإعلامي؛ بسبب كثرة الأعباء والالتزامات المهنية، وهذا ما يُحدث خللا في التثقيف الصحي والطب الوقائي، كما أن الإعلام مقصر في تواصله مع الأطباء، وطرح القضايا الطبية ونشرها في المجتمع، مما يسهم في نشر الممارسات الطبية السلبية. بيئة ملائمة وقالت «ريم العمران» -أخصائية أشعة نووية-: همومنا تتفاوت من شخص إلى آخر، ومن قطاع إلى آخر، لكن أغلبها تدور حول الرضا الوظيفي وتوفير بيئة ملائمة تتناسب مع طبيعة العمل، وغالباً ما تتركز حول قلة الدعم وضعف الرواتب، مضيفةً أنه لم يتم تفادي ذلك في السلم الحديث للرواتب. وذكر «د.أيمن محمود» -طبيب عام- انه لا يخفى على المتابع للوسط الطبي الخطوات الكبيرة التي خطاها أطباؤنا في تطوير الرعاية الصحية في المملكة، وذلك نتيجةً لمهاراتهم وتميّزهم محلياً وعالمياً، مضيفاً أن تقليد ثلاثة منهم مؤخراً وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة دليل على ثقة القيادة في قدراتهم وتميّزهم، مشيراً إلى أنه مع وجود الكثير من الأطباء المتميزين لازال مستوى الرعاية الصحية في المملكة لا يعكس المستوى الحقيقي لهم، وذلك ناتج عن عدة معوقات أهمها؛ غياب التخطيط السليم والخبرة في إدارة الموارد البشرية، مما نتج عنه قرارات لا يمكن تفسيرها، وانعكست سلبياً وبشكل مباشر على أداء الأطباء، مبيناً أنه على سبيل المثال الإصرار على مساواة الأطباء في المكافآت بغض النظر عن مجهودهم ومهاراتهم، مؤكداً على أن اختلاف عطاء وسلوك الطبيب نفسه بين القطاع الخاص والعام دليل على فشل الإداري للقطاعات الحكوميّة في الاستغلال الأمثل لتلك الثروة البشرية. د.عويد الشمري لا يوجد آلية وأوضح «د.محمود» أنه لا يوجد وضوح للرسالة أو الغايّة من وجود أغلب المنشآت الطبية، حيث تفتقر إلى آلية فعالة تترجم الرؤية إلى واقع ملموس يشعر به كل من الطبيب والمريض، وتُقيّم قدرة المسؤول في المنشأة على تنفيذها. وساعد نظام الخدمة المدنية الذي لا يطالب الطبيب والمسؤول عنه بنتائج محددة تقيس الجودة المطلوبة، في تكدس الأطباء في بعض التخصصات فوق الطاقة الاستيعابية لبعض المستشفيات داخل بعض المدن، وهو ما خلق فجوة عددية بين الحالات المرضية التي تتضاعف في بعض المحافظات الأخرى، وتخلق ضغطا على الطبيب؛ بسبب شح التخصصات الطبية وزيادة حالات المرضى من مراجعين ومنومين. يتزامن مع ذلك غياب معايير واضحة للتقدير، فهناك من الأطباء من هو مشهور محلياً وعالمياً نظراً لتميزه، لكن لم يحالفه الحظ ليتم تقديره، نظراً لعدم وجود آلية واضحة لتصنيف الأطباء تبعاً لمهارتهم وجهودهم، حيث ان غياب التقدير له أثر سلبي على أداء الطبيب المتميز، فإما أن نفقده أو نفقد نشاطه وهمته. تخصص طبي وأرجع «د.عويد الشمري» -رئيس قسم القلب بمستشفى سعد التخصصي رئيس الجمعية السعودية الطبية العلمية أستاذ مساعد في جامعة القصيم- هموم الأطباء إلى التخصص الطبي، وقال: حققت حلمي وهمي المهني الأول، وحصلت على لقب أول مواطن نال «البورد» الأمريكي في طب الأوعية الدموية وقسطرة الأوعية التداخلية، وهذا بعيد نهائياً عن «البورد» الكندي، والمتدرج في الطب الباطني ثم القلب ثم قسطرة شرايين القلب، مضيفاً أنه واجه كثيرا من الصعوبات للوصول إلى هذا التخصص الدقيق، مما جعل المسؤولين يؤمنون بهذا التخصص النادر، حيث كان البديل حتى الآن هو عمل الجراحات المفتوحة، التي يتخللها كثير من المتاعب الصحية في السابق وقد تصل إلى الوفاة، مشيراً إلى أنه بعد حرصه المتواصل لتقديم هذه الخدمة للمواطنين بالمجان استطاع إقناع المسؤولين في أول مستشفى عمل فيه، وبعد ستة أشهر من العمل الدؤوب، وبنجاح هذا النوع من العمليات، التي ساهمت بعد رحمة الله بشفاء كثير من المرضى، وصلت التجربة الناجحة إلى أنحاء المملكة، حيث أشرق الأمل لمن يعاني من «الغرغرينا»، التي تلزم قسطرة للأوعية الدموية، واستقبل حالات مرضية من رفحاء ومن نجران وغيرها من المدن الطرفية في المملكة. إعلام مُتخصص وذكر «د.الشمري» أنه استقطب للعمل كإعارة بمستشفى خاص بالشرقية لنقل نجاحي الطبي في القسطرة، ومن ضمن ذلك قسطرة شرايين الرقبة -الشريان السباتي- بعد حدوث الجلطة الدماغية، مضيفاً أن قلة ظهور الأطباء إعلامياً يرجع إلى الاعتماد على الإعلام المتخصص، مثل المنتديات والمؤتمرات الطبية المتخصصة، وكذلك حصر الإعلام في الأوجه المشهورة في الوسط الطبي، مبيناً أن المشاركة الإعلامية مهمة طبية لا تقل عن المعالجة، حيث ان المعلومات الطبية الصحيحة والمقننة تخفف كثيرا من معاناة المرضى، وتحد من اللغط والاستهتار بعقول الناس، وكذلك الانسياق وراء الصراعات الصحفية غير الناضجة، مما يؤدي إلى تشويش المعلومات لدى الناس وزيادة حيرتهم.