هناك أشخاص يملكون المركز، والجاه، والسلطة، ويوهمون من حولهم بمقدرتهم على تحقيق أمنياتهم، وطلباتهم، وكأنهم يملكون مصباحاً سحرياً، بمجرد الفرك عليه تتحقق الأمنيات، في حين أنّهم قد لا يستطيعون فعلياً تحقيق أي شيء، إمّا لعدم رغبتهم في ذلك، أو لأنهم لم يكونوا راغبين في المساعدة، ولم تكن المسألة سوى "بيع كلام". وعندما تقع ضحية "عشم" يتلاعب بمشاعرك وأحاسيسك تتكالب عليك الملامات، وتلتصق بك التهم، ويؤنبك ضميرك بقسوة، وتتمنى الهروب إلى غابة موحشة وأن لا تعود إلى فراشك، تريد أن تصرخ في قمم الجبال، وتبكي ولا يسمعك أحد؛ عندها تريد أن تعتذر لمن أحسنوا الظن بك، وتوبخ من خيب ظنك، وزخرف لك الأوهام، وزيف لك الوعود، وفي الأخير اكتشف أنّه كان يتسلى بك. وتُرتكب العديد من الإساءات الإنسانية تحت "يافطة العشم"، والتي تكشف على أرض الواقع أنّها بعيدة عن المحبة والثقة، بل إهمال، واستغلال، وعدم احساس بالمسؤولية، واستهانة بمشاعر الطرف الآخر، فالصداقة، والقرابة، والزمالة، لا تعني إيذاء طرف لآخر، ولا يستوي مطلقاً الأخذ الدائم من دون عطاء، وليس من حق أحد أن يستغل صديقه، أو قريبه، أو حبيبه، بحجة العشم لتحقيق أي مآرب، صغيرة كانت أم كبيرة. حلم الوظيفة قد يتحطم على يد "بياع كلام" شعور "بشع"! وذكرت "سهام علي" أنّها لا تفضّل أن يكون الشخص في موقف "المتعشم فيه" وهو يتمادى في الدور، سواء أكان ذلك في العلاقات الإنسانية التي تعتمد على المشاعر، أو في الزواج، أو الوظيفة، أو قضاء حاجة، لأنّ "العشم" من العلاقات التي تجعل الإنسان "يمون على غيره" بطلب أشياء مادية ومعنوية، والتي يترتب عليها أحياناً استمرار العلاقة أو إنهائها، بحكم أنّ الإنسان عندما لا يجد ما توقعه تنهار علاقته بالآخرين، ويشعر بشعور يصعب وصفه، أقل ما يقال عنه أنّه "بشع". انتظرت من تحب ونثرت الورد شاهداً على الموعد بيع الوهم وبيّنت "سمية الغامدي" أنّ الإنسان عليه أن يحدد علاقاته ودرجة القرب بينه وبين الآخرين، فلا يعشمهم بالمستحيل، ولا يبيع عليهم الوهم حتى يحظى بمكانة لديهم، فيظنوا أنّه بالإمكان أن يأخذوا منه أي طلب بحكم ماعشمهم فيه، خاصةً العشم بالعواطف، مضيفةً: "صديقة كان أحد أقربائها يهتم بها كثيراً، ويعشمها بالحب والزواج، ولكنها أصيبت بانهيار عصبي، ودخلت في حالة نفسية سيئة عندما علمت بزواجه من أخرى، واكتشفت أنّه كان فقط يتسلى بها"، مشيرةً إلى أنّ العلاقات الإنسانية سواء أكانت صداقة، أو جواراً، أو زمالة، أو قرابة، لابد وأن يحكمها الاتزان، وعدم التدخل في الخصوصيات، والظن بأنّه يمكن الحصول على مزايا تختلف عما يحصل عليه الآخرون بحكم "العشم". خيبة أمل واعتبر "حسين العسيري" أن "العشم" من أجمل العلاقات الإنسانية، ولا يمكن أن يحدث إلاّ بين أشخاص قريبين جداً من بعضهم، وأحدهم يستطيع أن يطلب أي شي من الآخر، وهي حالة اقتراب شديدة تعطي صلاحيات لأشخاص أكثر من غيرهم بحكم العشرة، والجوار، أو الصحبة، ولكن المشكلة في أن "يتعشم" الشخص في قبول زواج، أو حالة من الحب، أو صفقة لبيع شيء ما بناءً على علاقة الاقتراب، ولا يحصل على ما يريد؛ مما يؤثر سلباً على العلاقة الإنسانية، بحكم أنّ الشخص يتوقع لنفسه عكس ما يجده بالواقع. حالة نادرة وقال "د.محمود كسناوي" -استاذ علم الاجتماع التربوي بجامعة ام القرى-: "العشم كان تاريخياً موجوداً بين الناس، وبعد تفشي التغيير الاجتماعي الكبير بسبب تغيّر المفاهيم والعلاقات الانسانية أثر ذلك في التقارب بين الناس، وزاد بيع الكلام، فنجد هناك من يعشم الآخرين بمساعدة، أو وظيفة، أو ترقية، أو حتى قرب أكثر بالتواصل كالحب، والصداقة، أو الزواج، ولا يوفي بما قاله أو وعد به، وبهذا يخرج مفهوم العشم من كونه ضمن أقوى العلاقات الانسانية بين الناس، ليصبح حالة نادرة لا يلتزم بها إلاّ الصادقون، فالمدنية أبعدت الإنسان عن حالة الالتزم، والصدق، والنقاء بالتعامل"، داعياً إلى المحافظة على عدم خذلان الآخرين بالكلمات والوعود المعسولة التي لا تتحقق؛ لما لها من أثر سلبي على الأصدقاء، والإخوان، والأقارب، والمتحابين. انهيار العلاقات وأضافت "لطيفة أحمد سلمان" -أخصائية اجتماعية- أنّ العلاقات الاجتماعية تقوم غالباً على التلاقي والتصنيفات العديدة، فمنها ما هو شديد الرسمية ومنها ما هو شديد الاقتراب، إلى جانب العلاقات المعتدلة بين الناس، ناصحةً أن تظل "العلاقات المعتدلة" سائدة بين الجميع؛ وذلك لحماية العلاقات من الاختلافات نتيجة الاقتراب الشديد؛ مما يؤدي إلى زيادة العشم، وتحميل أعباء إضافية على المتعشمين الذين يظنون أنّ لديهم مقدرة إضافية لتحقيق ما يطلب منهم، مضيفةً: "وقد سمعنا عن الكثير من الأشخاص الذين يعيشون على عشم بأن يحصلوا على علاقات أقرب، أو على دعم مالي أو معنوي، وعندما لا يحصلون عليه يشعرون أنّهم وضعوا ثقتهم في غير محلها، كما أنّ العديد من الأشخاص يعيش وهو يجامل غيره، سواء بالمعاملة أو بالعطاءات، ولكنه في النهاية يصل إلى نقطة اللاعودة عندما تتزايد الطلبات لتصل إلى أمور لا يستطيع الوفاء بها، ولذلك تعبر العلاقات السوية بين الأشخاص والمتزنة التي تستند على التضحية والصداقة الحقة، بعيداً عن المطالب المحرجة التي قد تضع الطرفين في حالة اختيار صعب، لا يمكنهم تجاوزه، وبالتالي يؤدي ذلك إلى انهيار العلاقات".