عندما يقوم أحد الإعلاميين بطرح مادة إعلامية في إحدى وسائل الإعلام المختلفة ويكون موضوع ومحتوى النّص المطروح عامّاً لايخص شخصاً محددا ولا ينتقد جهةً معروفة أو سياسةً بعينها أو ديناً أو مذهباً معيناً فإن أي قارئ أو مشاهد او مستمع لتلك المادة الإعلامية لا يجول في ذهنه ولا يدور في خاطره إلا طريقين أو أمرين وهما:عدم الاهتمام بتلك المادة المطروحة وتركها وتهميشها أوالاستفادة والاستنارة من تلك المعلومات والحرص عليها من أجل الإضافة المعرفية والعلمية الشخصيّة له لأنه بذلك إن أخذ بها نفعته وإن تركها لم تضره ما دامت حالها تلك أما إن كان ذلك غير ذلك أي بمعنى وجود تلميحات أو إشارات أو وصولها إلى مرحلة النّقد الجارح والواضح أو التعدّي والتطاول على شخصياتٍ محددة او جهات معروفة اوسياسات معينة أو تحتوي على عبارات انتقاديه دينية أو طائفية ومذهبية أو تتعارض وبشكل عام مع المسؤوليات والأهداف الإعلامية الساميه فإن المُتلقّي في هذه الحالة يتحول وتتغير نظرته وتتبدل شخصيته وتنقلب سيكولوجيته على تلك المادة المطروحة بل وعلى شخص الإعلامي الذي قدّم وطرح تلك المادة وأخلّ بإحدى المسؤوليات الإعلامية ونتيجةً لذلك نجد أن المتلقي يكون على مستوى يتحدد ويتناسب مع حجم النصّ المطّروح ويختارالاتجاه الذي يرغبه وبحسب شخصيته في نظرته ورؤيته في الأخذ والرد على ماحصل وفي نفس الوقت يضع الإعلامي نفسه في مواقف محرجة ومسيئة له وللإعلام والإعلاميين بشكل عام مما يجعله في مواجهة مع نوعين من المتلقين للعمل الذي قام به وهم الأول: شخصٌ عاقل متعلمٌ ومهذّب وملمٌ بأصولِ النقد الهادف والحوار البنّاء بغض النظر عن موافقته أو معارضته لما طُرح تجده يتعاطى مع تلك المسألة ومع ذلك الإعلامي في حدود المسئولية الإعلامية المُلقاة على عاتق الإعلاميين جميعا وواجباتهم تجاه المجتمع وتجاه الرأي العام والتي لابد أن يلتزم ويتقيد بها كل إعلامي حُرٍّ نزيه، وفي هذه الحالة تجد ردة فعله وتعليقاته ومداخلاته في أعلى مراتب الأدب وحسن الرد و الحوار ونتيجةً لذلك يرتقي ويسمو المعنى الصحيح والهدف الرئيسي للإعلام ورسالته السامية والتي عرّفها أحد الأكاديميين بأنها عبارةٌ عن: تزويد الناس بكافة الحقائق والأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة عن القضايا والمشكلات ومجريات الأمور بموضوعية وبدون تحريف بما يؤدي إلى خلق أكبر درجة من المعرفة والوعي والإدراك والإحاطة الشاملة لدى جميع الفئات من الجمهور المتلقّين للمادة الإعلامية وبما يُسهم في تنوير الرأي العام، أما النوع الثاني فهو ذلك الشخص غير المتعلم ولا يوجد لديه إلمامٌ بجوانب وحدود المسئوليات الإعلامية المُلقاة على كاهل الإعلاميين وبأهدافها وواجباتها فتجده يفتقر لأدنى أساسيات النقد الهادف وتنقصه الخبرة في إدارة الحوار بالأساليب الصحيحة والطرق المنطقية الواقعية ولا تجد منه سوى أقسى عبارات النقد والتجريح والتعليقات التي قد تخرج عن حدود الأدب والإحترام ويصل إلى مرحلة لاتليق به ولا تتلاءم مع الروح الإعلامية المتحضّرة الراقية والمعروفة والتي تضمن للجميع حق الرّد بما يتماشى مع الذوق والآداب العامه والأهداف السامية البنّاءة للرسالة الإعلامية. كلنا نعلم بأنه لا يوجد هناك صلاحيات لأي شخص كائناً من كان في التدخل أوالخوض في خصوصيات وحقوق الغير أيّاً كانت أهدافه أوتوجهاته أو تحت أي مسمى من مسميات حرية التعبير وإبداء الرأي ولكن ومع ظهور وبروز التقنية الحديثة والتكنولوجيا المتطورة في نقل المعلومات وتسارع وتسابق العِلم والعالم وجميع وسائل الإعلام على الحرص على تحقيق وإحراز الأولوية والسبق الصحفي لنشر المعلومات وبث الأخبار العاجلة أدى بدوره إلى خوض البعض في متاهات وأنفاق الخصوصية والحريات الشخصية ونقل بعض المعلومات بشكل خاطئ وغير دقيق ولكن وفي المقابل نجد أن أغلب القوانين والأنظمة شرّعت وأوجدت النّصوص الملائمة للعمل الإعلامي ومسؤولياته أمام الرأي العام والمجتمعات والشعوب والمتمثّلة في وجوب الامتناع عن نشر المعلومات المناهضة للمصلحة الوطنية العامّة واحترام حقوق ومصالح الرأي العام وعدم نشر أي معلومات قد تضر وتمس الجوانب الإنسانية والحقوق المدنية وحقوق الإنسان وكذلك عدم الحض على الكراهية والعنصرية والمذهبية والطائفية والعرقية الدينية والبعد الكامل عن جميع الموضوعات التي تمس الأديان والرسل وما يتعارض مع الأخلاق والآداب العامة والالتزام بالقيم والعادات الاجتماعية للمجتمع ككل. اخيراً أقول بأن الإعلامي المثقف الواعي المتمكّن هو الذي يلتزم في جميع نصوصه المطروحة بمبادئ وضوابط المسؤوليات الإعلامية المعروفة وبتقاليد وآداب المجتمع وتعاليمه الدّينية الصحيحة بما يضمن عدم تعدّيه على أحد وعدم وصوله إلى خصوصيات الرأي العام وآدابه وحقوقه وبما يضمن أيضاً مكانة الإعلام ورسالته الهادفة وحياديته في التعبير عن الرأي والرأي الآخر.