وصل امس الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى العاصمة الجزائر في زيارة رسمية تدوم يومين أسالت حولها الكثير من الحبر وصيغت من حولها الكثير من الاستفهامات لعل أبرزها هل ستكون زيارة هولاند للجزائر هذه المرة مختلفة عن زيارات سابقة قام بها رؤساء فرنسا إلى الجزائر على الأقل خلال فترة حكم الرئيس بوتفليقة الذي استقبل منذ وصوله قصر المرادية العام 1999 ثلاثة رؤساء فرنسيين من اليمن واليسار يتقدمهم جاك شيراك ومن بعده نيكولا ساركوزي وأخيرا فرانسوا هولاند. واللافت في زيارة هولاند التي تم التمهيد لها بسلسة زيارات قام بها وزراء فرنسيين إلى الجزائر أبرزها زيارة وزير الاقتصاد الفرنسي " حون بياررافاران " تحضيرا لملفات اقتصادية سيعلن عن التفاهمات الحاصلة بشأنها خلال لقاء الرئيسين الجزائري والفرنسي، التصريحات السياسية الصادرة عن دوائر رسمية جزائرية تحاول إبعاد المسائل التي ظلت تثقل كاهل العلاقات الجزائرية الفرنسية على رأسها المسائل ذات الصلة بالذاكرة والماضي الاستعماري في محاولة لتجاوزها بحثا عن استثمار أفضل للعلاقة بين الجزائروفرنسا اللتين لم تنجحا في توقيع شراكة استراتيجية واستثنائية منذ العام 2003 سبب مشاكل الماضي. ونقرأ رغبة الجزائر الرسمية في تجاوز أعباء الماضي و الالتفات إلى الحاضر والمستقبل في تصريح الرئيس بوتفليقة نفسه في حواره الأخير مع وكالة الصحافة الفرنسية أين رافع من أجل " علاقة قوية وديناميكية مع فرنسا مبنية على علاقات متينة ومصالح مشتركة بين الجزائر و فرنسا " مفضّلا الحديث عن المستقبل دونما تطرق لمسألة الاعتراف أو الاعتذار و مثله فعل وزيره الأول عبد المالك سلال عندما قال في تصريح له الاثنين من باريس أن بلاده "تأمل بمناسبة زيارة الرئيس فرانسوا هولاند الى الجزائر بناء علاقة مع فرنسا تنظر بعزم نحو مستقبل خال من "المفاهيم البالية". و معنى "البالية" المسائل ذات الصلة بالماضي. و قبل سلال كان وزير الشؤون الخارجية مراد مدلسي أعرب صراحة في حديث خصّ به مجلة " أرابيز" في عددها لشهر ديسمبر أن بلاده " تنتظر أن تشكل زيارة الرئيس الفرنسي "مساهمة فعلية في الشراكة الاستثنائية " ولم يتطرق مدلسي إلى مشاكل الذاكرة البتة.وبات من الواضح أن الجزائر بعد سنوات من "العراك التاريخي" مع المستعمر القديم بشأن قضايا الذاكرة لم يقد إلى نتائج تسعى اليوم إلى لعب ورقة البراغماتية وترك عمل الذاكرة إلى المؤرخين، في وقت يريد ساستها الاستفادة من الطفرة المالية التي تشهدها الخزينة العمومية ( 283 مليار دولار) على خلفية ارتفاع سعر البترول لاستغلالها في مشاريع شراكة حقيقية و فعالة مع فرنسا بتجنّب الملفات التي تغضب بما فيها الملفات السياسية ذات الصلة بملف الصحراء الغربية التي تصطف فيه فرنسا إلى جانب السياسة المغربية أو الأزمة شمال مالي التي تختلف بشأنهما مقاربة البلدين وتوجه الجزائر انتقادات لفرنسا قائلة أن الأخيرة لا ترى في الجزائر سوى سوقا تجارية لمنتجاتها متهمة إياها بالتراخي في الانتقال من العلاقات التجارية البينية إلى شراكة اقتصادية استثنائية تنتج تحويلا حقيقيا للتكنولوجيا في إشارة إلى ملفات استثمارية كثيرة تراوح مكانها منذ سنوات على رأسها الملفين الثقيلين المتعلقين بمشروع "رينو" لصناعة السيارات ومشروع "توتال" للتكسير البخاري لمادة الايتان، ومن المنتظر أن ينتقل مشروع "رينو" من مرحلة الورق إلى التطبيق خلال زيارة هولاند حيث كشف ناطق باسم محموعة رينو أمس لصحيفة "لوموند" أن اتفاقا لبناء مصنع بالجزائر سيتم التوقيع عليه خلال هذه الزيارة . وما تزال الجزائر أول مستورد للمنتجات الزراعية والغذائية الفرنسية بغلاف مالي يصل إلى 6 ملياردولار في السنة. و لم تتعد الاستمثارات الفرنسية المباشرة في الجزائر عتبة 1.9 مليار أورو نهاية العام 2010 حسب أرقام رسمية فيما تتجاوز الاستمارات في دولة جارة مثل المغرب ما يشكّل خمس مرات هذا الرقم. وتتحجج فرنسا بالقول: إن مناخ الاستثمار في الجزائر غير موات مستندة إلى تقارير هيئات مالية دولية حول الجزائر ليست كلها إيجابية في وقت تدرك الجزائر أن فرنسا في حاجة إلى السوق الجزائرية في ظل الأزمة المالية التي تضرب القارة العجوز والديون التي تخنق فرنسا. وتشير تعاليق الملاحظين أن الرئيس الفرنسي أدرك الأهمية التي تشّكلها الجزائر بالنسبة لبلد مثل فرنسا يواجه مأزق مديونية خانقة ولهذا السبب لم يتحرج الأخير من الاعتراف ولأول مرة بمسؤولية فرنسا الرسمية في القمع المأساوي لمظاهرة 17 أكتوبر1961 أملا في " تلطيف " الجوّ بين البلدين عشية زيارة تضم وفدا مهماً من رجال الأعمال والمستثمرين.