في لبنان ليس الذين ورثوا في حجم الذين أس سوا.. زعامات الأمس رغم حدة التنافس الطائفي كانوا "يجم لون" تلك الحدة في التنافس, فلم يكن ما يمنع أن يكون كميل شمعون أفضل زعيم لبناني طائفي تحدث في المحافل الدولية عن الحق العربي في فلسطين.. ورسم عبر ملامح شخصيته السلوكية ريمون أده السلوك الأرقى للسياسي الذي لم يترك للمناصب والرئاسات فرصة إغواء مسألة حبه للبنان.. لم يكن مع أحد.. ولأنه خالف هذه الحقيقة الشرق أوسطية فقد أصبح بدون أحد, وما كتب عنه بعد أن مات كان لبنان الوطن هو الأحوج إليه منه بما حمله من مضامين تحيي الحيادية وعدم التنازل عن الثوابت.. لقد تحلى بشجاعة نادرة عندما رفض ميثاق القاهرةالفلسطيني وأدرك من تحاربوا فيما بعد مدى حجم الخطأ الذي وقعوا فيه عندما وافقوا على جعل لبنان مضيافا يتجاوز كرمه موائد الطعام إلى مساحة الأرض الصغيرة.. صائب سلام ورشيد كرامي رغم مكانتهما الكبيرة عربيا وإسلاميا إلا أن الحرب رغم شمولها وويلاتها مرت بهما وكأنهما ليسا من لبنان.. فشاركا في مهمات ايجابية ورفضا قيادة أي تجمع يهدد حياة أي أحد.. كمال جنبلاط.. كان مثقفا اشتراكيا .. لكنه لم يكن متهورا يساريا .. تحلى بأرستقراطية السياسة ومارس بساطة التعامل مع الشارع, وهو نموذج تحتاجه خارطة النوعيات السياسية عندما يراد لها أن تتكامل بالمعارض المثقف مثلما كان ريمون أده المعارض النظيف.. الآن أستغرب لشعار يرتفع باستحياء.. وإيحاءات.. متسائلا لماذا لا يعامل الرئيس أمين الجميل بمستوى واحد مع سمير جعجع وميشال عون.. الجميل لم يمارس دونيات مخجلة.. ربما مارس.. أو مارس به المنصب التجاوزات الشرق أوسطية المعتادة, لكنه لم يتزعم قتلة ولم يوجه جهود فرق اغتيال, ولم تغب عنه حقائق لبنان الجوهرية بضرورة تقارب مسيحيته وإسلامه, وأن سوريا ضرورة وطنية لكن بالحجم الذي لا تتوارى فيه قامة لبنان.. أليس من اللافت للانتباه أن يكون هناك إقرار بمشروعية عبث الزعامات ومشروعية الانتهاكات الدامية عندما يقال عن تسوية التوازنات بأنها تعني ضرورة أن يكون الجميع داخل السجن أو أن يكونوا جميعا خارجه, مثلما قال وليد جنبلاط . ربما حرض على هذا الموقف الذي من الواضح أنه لا يعبأ بمصير لبنان متى اختلف وضعه عن مائدة توازنات كل من يأخذ كرسيا حولها له حق فعل ما يريد.. هل عدم تنفيذ الأحكام القضائية مسؤول عن ذلك.. أم هل أن تلك الأحكام لم تكن ذات مبررات قضائية ولكنها كوابح ردع سياسية..؟ ثم هل بالضرورة أن يتوالى الإرث السياسي والطائفي حتى ولو كان الجيل اللاحق ليس بمستوى ذلك الذي كان قبله..؟.. أجزم أن لبنان يمر بمرحلة في منتهى الحساسية وأن الرئيس لحود وهو الرجل الأنظف الذي يسجل له تاريخه العسكري براعته في تجاوز الشوائب والتجاوزات قادر وعبر التعاون مع كفاءات لا تزايد ولا تتحين, حتى لا تؤدي هذه المرحلة إلى انتكاسة ليس لها ما يبررها عدا هوس الخلافات الذي لا يجوز أن يكون بديلا لبناء الاقتصاد الذي يملك كل مصادر القوة لو اتجه له الجميع..